خلفيات العدوان على الضفة بعد هزيمة غزة
- إيهاب شوقي السبت , 25 يـنـاير , 2025 الساعة 12:10:51 AM
- 0 تعليقات
إيهاب شوقي / لا ميديا -
مما لا شك فيه أن تكثيف العدو «الإسرائيلي» عدوانه على الضفة لدرجة إطلاق عملية خاصة سمّاها «الجدار الحديدي» تزامناً مع وقف إطلاق النار في غزة ليس من قبيل المصادفة، بل هو أمر يتماشى وطبيعة العدو «الإسرائيلي» الذي يبحث دوماً عن توظيف الأحداث لصالح مزيد من الانتهاك والاغتصاب للأراضي. وهذا ما أكده «الكنيست»، بشكل فوري، عندما أعلن أنه سيناقش قانون «فرض السيادة على منطقة الأغوار شرق الضفة الغربية»، والتي تعرف بسلة غذاء الشعب الفلسطيني، لينضم بذلك إلى ما أعلنه «سموتريتش» في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن العام 2025، وأنه سيكون عام بسط سيطرة الكيان على الضفة.
ومما لا شك فيه، أيضاً، أن الهزيمة التي مني بها الكيان بالرضوخ لإرادة المقاومة وعدم تحقيق أهداف حرب الإبادة في غزة، والتي خلخلت حكومته وزلزلت أركان النخب الاستراتيجية في الداخل، كانت بحاجة الى تعويض لهذه الهيبة المفقودة، وبحاجة إلى لملمة شتات المتطرفين الذين بدؤوا بتقديم الاستقالات، ما يهدد الائتلاف الحكومي. وهذه الخطوة كانت التوجه، بشكل مباشر، نحو الضفة لشن عدوان يرضي طموحات «بن غفير» و«سموتريتش»، ويقوم بإحياء مخططات ضم الضفة وإفساد فرحة الفلسطينيين وكسر الثقة والفخر بالانتصار التي يعيشونها، بالرغم من الخسائر الهائلة والعدد الكبير للضحايا.
لعل «بن غفير»، الذي قدم استقالته بعد تراشق مع نتنياهو واتهامه بأنه حاول إغراءه بالبقاء في الحكومة مقابل إقالة رئيس الأركان وتكثيف البناء والاستيطان، ثم خروج تكذيب رسمي من الحكومة واتهام «بن غفير» بالكذب، هو جزء بسيط من الصورة التي وصلت إليها الحكومة ووصل لها الحال السياسي في الكيان. ولكن هذا الأمر لا يخلو من فضح لمخططات الكيان؛ لأن الأمرين الذين كذبهما نتنياهو يبدو أنهما صادقان. فقد أعلن رئيس الأركان تقديم استقالته بالفعل، ثم بدأ العدوان على الضفة بشكل فوري، ما يؤكد أن إقالة رئيس الأركان والسيطرة على الضفة هما ورقتا التفاوض عند نتنياهو، ويبدو أنهما نجحتا مع «سموتريتش» الذي بقي في الحكومة، ولم ينجحا مع بن غفير.
هذا الأمر أكدته وأشارت إليه وسائل إعلام «إسرائيلية»، فقد قالت إن هذه الحملة تعكس الوعود التي قدمها نتنياهو إلى وزراء اليمين المتطرف لإقناعهم بعدم الانسحاب من الحكومة بسبب اتفاق غزة. ومخططات ضم الضفة قديمة وتؤكدها الشواهد الحديثة، وتعود خطط الضم إلى العام 1967، عندما دعا بعض الساسة «الإسرائيليين» إلى ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها بعد الاحتلال «الإسرائيلي» مباشرة. ولعل أبرز مشروع لذلك كان مشروع «إيغال آلون» الذي كان وزيراً للعمل في حكومة «ليفي اشكول». فقد دعا هذا المشروع تحت عنوان «مستقبل المناطق (الفلسطينية) وطرائق معالجة مسألة اللاجئين»، إلى إقامة حدود أمنية لـ»إسرائيل» بينها وبين الأردن، وتحقيق ما سمّاه «الحق التاريخي للشعب الإسرائيلي» في «أرض إسرائيل»، على حد تعبيره. وحدد المشروع منطقة غور الأردن، وحتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين، لتبقى تحت السيادة «الإسرائيلية»، وهكذا أيضاً بالنسبة إلى منطقة القدس وضواحيها ومنطقة الخليل.
بالعودة إلى «الكنيست» ومناقشته لقانون ضم الأغوار، وتركز العمليات في جنين ونابلس، فإن خطط الضم هنا تكون هي السيناريو المرجح، وربما التفاصيل نفسها المشار لها في المخطط القديم. واللافت أن السلطة الفلسطينية انسحبت لتترك المجال للقوات الصهيونية بعد أيام من عدوان السلطة على مخيم جنين واستهداف المواطنين الفلسطينيين، وهو أمر وصفته المقاومة بالمستغرب، وربما الوصف الدقيق له هو الأمر المعيب والخياني؛ إذ من المفترض، وفقاً لاتفاقية «أوسلو»، أن المناطق التي اقتحمتها قوات الجيش الصهيوني خاضعة بالكامل لسيطرة السلطة؛ حيث تخضع للمنطقة (أ) من الاتفاقية التي مزقها الكيان، وما تزال السلطة تتشبث بها.
لقد كان الاتفاق «الإسرائيلي» الفلسطيني المؤقت بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو الثانية)، والموقع بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 1995، قد قضى بتقسيم الضفة الغربية بشكل مؤقت في مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات، ومضى نحو عشرين عاماً على مهلة تطبيقه، ولم تطبق بنوده. كما قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: (أ)، (ب)، (ج). ولكل منطقة من هذه المناطق ترتيبات إدارية وأمنية مختلفة، فبينما تقع المنطقة (أ) تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، فإن المنطقة (ج) تقع تحت السيطرة «الإسرائيلية» الكاملة، مع وجود للجيش «الإسرائيلي»، وتشمل المنطقة (ج) المستوطنات والطرق الالتفافية والمناطق الحدودية، كان من المفترض أن يتم نقل مناطق (ب) و(ج)، من السيطرة «الإسرائيلية» إلى السيطرة الفلسطينية، وجعلها ضمن حدود الإدارة الفلسطينية مثل مناطق (أ)، إلا أن أي من هذا لم يحصل.
هذا، وبينما يعيش نحو 90% من الفلسطينيين في المناطق المصنّفة (أ) و(ب)، فإنّه يعيش 10% في المناطق المصنفة (ج)، وهي أكبر مساحة وتخضع أمنياً ومدنياً لـ»إسرائيل» من دون السماح للسلطة الفلسطينية بممارسة دورها في هذه المناطق، وتتحكّم «إسرائيل» كلياً في معظم أراضي الضفة الغربية، وتسيطر عسكريا عليها، وتتوسع استيطانياً في المناطق المصنفة (ج)، في حين تسيطر السلطة الفلسطينية جزئياً على مراكز المدن من دون سيادة أمنية تامة.
مع حلول العام 2021، بلغ مجموع المساحات المصادَرة لصالح المستوطنات نحو 40% من مساحة الضفة الغربية، وبلغ عدد «البؤر» الاستيطانية أكثر من 300 بؤرة. كما أسهمت شبكات الطرق الالتفافية التي أقامتها «إسرائيل» بطول 980 كيلومترا في اختراق المناطق الفلسطينية وتقطيع أوصال التجمعات الريفية في الضفة الغربية، وهو ما جعل حل الدولتين بلا معنى؛ فالمناطق المصنّفة (أ) و(ب) باتت بدورها مجزأة ومقسمة بطرق وقواعد عسكرية «إسرائيلية». والمناطق (أ) التي من المفترض أنها تخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، هي مناطق حضارية بشكل أساسي وتشمل مدن وبلدات، مثل: الخليل، رام الله، نابلس، طولكرم، قلقيلية، جنين، بيت لحم، أريحا، و80% من مدينة الخليل، وهي المدن والبلدات والمخيمات التي يشن الجيش الصهيوني، بالتعاون مع قطعان المستوطنين، الحرب عليها، ولا تدافع عنها السلطة الفلسطينية التي لا توجّه سلاحها إلا إلى صدور الفلسطينيين!
لعل أخطر ما صرح به قال وزير الحرب «الإسرائيلي»، يسرائيل كاتس، أن عملية «الجدار الحديدي»، التي أطلقها الجيش في مخيم جنين، ستغير «مفهوم الأمن، وهذا التغيير يحتاج تالياً إلى توضيحات عن أبعاده وحدوده، وربما وضح كاتس ذلك أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع قبل دقائق من بدء عملية «السور الحديدي»، عندما قال إن هدف الحملة العسكرية «حماية جميع المستوطنات والسكان»، وهو ما يعني أن الهجوم يقارب ما يحدث في غزة، وأنه بسط للسيطرة لاتخاذ إجراءات وقائية كما يحاول العدو احتلال محاور في غزة لحماية مستوطنات الغلاف، وهو تصريح خطير ينبغي التوقف أمامه وعدم تمريره مرور الكرام.
يؤكد ذلك ما قاله مصدر عسكري للقناة الـ14 «الإسرائيلية»، حين قال إن الجيش يشن عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة قد تستمر شهوراً.
كما دخلت الضفة ضمن أهداف حرب الإبادة، وهو ما أوضحته القناة الـ14 «الإسرائيلية» التي ذكرت أن العملية في جنين انطلقت بقرار من المستوى السياسي في أعقاب الاجتماع الذي عقده المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يوم الجمعة الماضي، لإقرار الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، وأن «الكابينت» قرر في ذلك الاجتماع إدراج الضفة الغربية ضمن أهداف الحرب.
إن كل الشواهد تقول إن الحرب على الضفة دخلت مرحلة خطيرة؛ كونها تتعلق بمستقبل الكيان السياسي، ومستقبل حكومة نتنياهو بشكل خاص. وهذا الأمر يتضح برصد ما سبق الحملة، حين قالت التقارير الصهيونية إنه، وفي يوم الجمعة السابق لموعد الصفقة، مارس وزير المالية «سموتريتش» ضغطاً غير مسبوق على نتنياهو، نجح فيه بانتزاع التزامات صريحة خلال اجتماعات للمجلس الوزاري الأمني «الإسرائيلي» المصغر (الكابينت) والحكومة استمرت لأكثر من 15 ساعة، انتهت في الساعات الأولى من فجر السبت، وتضمنت القرارات تعديلاً جوهرياً في أهداف الحرب، حيث أضيف تصعيد العمليات في الضفة الغربية هدفاً رئيساً.
وشمل القرار زيادة القوات العسكرية إلى 30 كتيبة، وهو المستوى الذي كان قائماً قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأن سحب القوات لن يكون إلا بقرار من «الكابينت»، أو العودة للقتال في غزة في حال عدم استكمال تنفيذ الصفقة. وفي مساء السبت، كشفت قناة «كان 11» العبرية عن تفاصيل إضافية عن قرار «الكابينت» الذي كان مخفياً عن الجمهور، فالوزراء صادقوا يوم الجمعة على تحديث أهداف الحرب، وأضيف هدف جديد، وهو «تعزيز الأمن في الضفة الغربية».
إذن، نحن أمام مستوى جديد من الاستهداف، حيث تتوقف حكومة الكيان أمام طريقين، إما العودة للقتال في غزة، وإما السيطرة على الضفة، وكلاهما تصفية للقضية الفلسطينية. ولا بد من ملاحظة أن نتنياهو يرفض تسليم السلطة إدارة الأمور في غزة والتفاوض حول ذلك، لعدم ربط غزة بالضفة. وهو إعلان صريح عن نوايا تصفية القضية، وهي رسالة لمن يستعدون للتطبيع مع العدو ومن بدؤوا في التواصل معه، سواء في السعودية أو قطر التي التقى وزير خارجيتها بالرئيس الصهيوني في منتدى «دافوس». وهي رسالة إلى جميع جبهات المقاومة بأن تبقي اليد على الزناد؛ لأن الكيان بالرغم من هزيمته أمام إرادة المقاومة، ما تزال حربه سارية، ويتنقل من جبهة إلى أخرى، وهو ما يفرض الجهوزية الدائمة وعدم الارتكان لأي اتفاقيات مع عدو لا يحترم العهود والمواثيق ولا الأعراف.
المصدر إيهاب شوقي
زيارة جميع مقالات: إيهاب شوقي