حسني محلي

حسني محلي / لا ميديا -
في أوَّل انتخابات «ديمقراطية ونزيهة» منذ استقلال المشيخة القطرية في العام 1971، توجَّه المواطنون القطريون، يوم السبت الماضي، لاختيار 30 مرشحاً لعضوية من أعضاء مجلس الشورى، فيما سيعيّن الأمير تميم 15 آخرين ليمثّلوا آل ثاني، «وبشكل ديمقراطيّ»!
قبل أن ندخل في التفاصيل، يجب الإشارة إلى أنَّ المجلس لا يملك أي سلطة على الهيئات والأجهزة والمؤسسات التي تضع السياسات الداخلية والخارجية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً وتنفذها، وهي جميعاً من صلاحيات الأمير ومن يراه مناسباً لمثل هذه المهمات.
قطر، التي استقلَّت عن المستعمر البريطاني في العام 1971، شهدت انقلابها الأول في 22 شباط/ فبراير 1972، عندما أطاح الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني بابن عمه أحمد بن علي آل ثاني. وجاء الانقلاب الثاني في 27 حزيران/ يونيو 1995، عندما أطاح حمد بن خليفة آل ثاني بوالده الذي كان في الخارج. وقد قيل آنذاك إنّ الشيخة موزة، الزوجة الثانية للشيخ حمد، كانت خلف هذا الانقلاب، انتقاماً لوالدها ناصر بن عبد الله المسند، الذي كان معارضاً لحكم آل ثاني، فخطبها الشيخ خليفة لابنه حمد للتخلّص من معارضته.
وكان الانقلاب الفاشل في شباط/ فبراير 1996 هو التالي داخل العائلة الحاكمة، عندما تمرّد أنصار الشيخ خليفة على الشيخ حمد، فتصدى لهم بمساعدة المخابرات الأمريكية والبريطانية، واعتقل عدداً كبيراً من الضباط، ومُنع أبناء قبيلة آل مرة من المشاركة في الانتخابات الأخيرة، بعد أن اتهمهم الأمير بالضلوع في محاولة الانقلاب تلك، لكنّه تذرّع بحصولهم على الجنسية القطرية بعد إحصاء 1930.
ومع استبعاد آل مرة من المشاركة في الانتخابات، لم يكن واضحاً عدد الذين سُمح لهم بالتصويت، كما لم يكن واضحاً عدد سكان قطر الأصليين، الذين يقدّرهم البعض بحوالى 400 ألف فقط. وقد أراد لهم أميرهم الشيخ حمد، ومن بعده ولده تميم، أن يكونوا «نموذجاً مثالياً للديمقراطية بمفاهيمها السامية» التي سعى الشيخ حمد لترسيخها بمنح واشنطن قاعدتين بعد عامٍ من الإطاحة بوالده «ديمقراطياً»!
لم يتأخَّر الدعم الأمريكي لهذا «النموذج الديمقراطي الرائع»، بعد أن خصَّص الشيخ حمد الملايين من الدولارات لقناة «الجزيرة» التي خرجت لتقول لمشاهديها العرب إنها «ضد الإمبريالية والصهيونية، ومع القاعدة وطالبان، وكلّ من قال إنه ضد أمريكا وعملائها»، باستثناء أولئك الموجودين في الدوحة وعواصم الخليج!
في المقابل، وقف الشيخ حمد، ومعه رجب طيب أردوغان، إلى جانب القضايا العربية والإسلامية بعد العام 2003، وسعيا معاً لإقامة علاقات مميزة مع الرئيس بشار الأسد، الذي تحوَّل بعد 8 سنوات من هذه العلاقة الحميمة إلى «صيدة فلتت منهما ومن حلفائهما الأمريكيين والسعوديين»، على حدّ قول رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم في حديثه إلى تلفزيون قطر في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بعد أشهر من قرار السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطع العلاقات مع الدوحة، في إطار السيناريوهات الأمريكية التي قدّرت عمر هذا العداء بأربع سنوات، فتصالح الجميع بعدها، على أن تبقى القواعد التركية التي ذهبت لحماية آل ثاني في قطر، وهي الدّولة التي كانت، وما زالت، وستبقى في السرّاء والضّراء، مع تركيا أردوغان الَّذي قام بما قام به في المنطقة بعد ما يُسمى «الربيع العربي» بفضل هذه الدولة العربية الصغيرة والغنية بدولاراتها، من دون أن يتساءل أحد عن مضمون وأهداف هذا التحالف بين «قطر الصغيرة وتركيا الكبيرة»، اللتين قادتا معاً كلّ حملات «الربيع العربي» الذي كان عليه «أن يأتي بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان» لشعوب المنطقة من الدوحة وأنقرة، وإن لم يكن ذلك كافياً، فمن عواصم الخليج الأخرى!
وقد أرادت جميعاً «تصدير ديمقراطياتها» إلى تونس ومصر وسورية واليمن والعراق، فبارك الغرب لها «عملها الإنساني العظيم»، من دون أن يخطر على بال أحد أنَّ هذه الديمقراطيات كانت، وما زالت، تفتقر إلى البرلمانات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والإعلام الحر، في ظل غياب أي دور للمرأة وحقوقها التي تجاهلها الملك السعودي المؤسس قبل الآخرين، عندما تزوج بما لا يقلّ عن 30 امرأة.
وجاءت انتخابات قطر الأخيرة «لترسيخ هذه المزايا والقناعات والحقوق»، فلم ينتخب القطريون أي امرأة لعضوية مجلس الشورى. وقد يدفع ذلك الشيخة موزة إلى التدخل لتطلب من ابنها تميم تعيين البعض منهن في هذا المجلس الموقّر! وهو أقلّ ما يستطيع أن يفعله تميم (المتزوج من 3 نساء) بعد أن تخلّى والده الشيخ حمد عن منصبه له في 27 حزيران/ يونيو 2013، قبل أسبوع من انقلاب السيسي على الإخوان المسلمين. وقد قيل آنذاك إنَّ الوالد، وبضغوط من زوجته الشيخة موزة، تنازل عن الحكم لتميم بدلاً من جاسم، وهو من زوجته الأولى، والذي كان أصلاً ولياً للعهد.
ويستمرّ رهان العديد من الدول والأطراف على دور هذه المشيخة الصغيرة التي حقَّقت إنجازاتها العظيمة (!)، بما فيها كأس العالم 2022، التي فازت بها بعد قصص مثيرة من الرشاوى التي يتفنَّن بها معظم حكّام الخليج، وإلا لماذا أطاح الشّيخ تميم بوزير ماليته وأمين سره وصندوقه الأسود علي شريف العمادي في 6 أيار/ مايو 2021، متهماً إياه بالفساد، ليقول الأخير، وقبل اعتقاله، إنه «كان ينفّذ تعليمات سمو الأمير»؟! ولا يدري أحد أين هو العمادي الآن!
أما الحديث عن دور قطر في الوساطة بين واشنطن و»طالبان»، فهو الأغرب، بعد أن دخلت الدوحة، ومعها أنقرة، على خطّ الجماعات الإسلامية التي كانت حكراً على السعودية والإمارات. وقد كانتا معاً، وبإشراف المخابرات الأمريكية، خلف «طالبان» و»القاعدة» وجماعات المجاهدين الأفغان خلال الاحتلال السوفييتي.
ولم يمنع ذلك واشنطن من تحويل الدوحة إلى معقل رئيسيّ لمجمل تحركاتها إبان وخلال الاحتلال الأمريكيّ لأفغانستان والعراق، ولاحقاً مجمل أنشطتها العسكرية ضد دول المنطقة، وفي مقدّمتها سورية وإيران، في الوقت الَّذي كانت فيه قناة «الجزيرة»، لسان حال «الرأي والرأي الآخر»، تبث أشرطة لابن لادن وأخبار «طالبان» والزرقاوي، ثم «داعش» و»النصرة».
لم يبالِ الغرب بذلك، وأراد لدول «الربيع العربي أن تتّخذ من ديمقراطيات قطر وتركيا نموذجاً يحتذى به ويلبي طموحات شعوبها في الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتنمية والرفاهية والعيش الكريم»، وهو ما سيضمنه مجلس الشورى القطري الجديد من دون أدنى شك، وبمباركة الرئيس أردوغان!!
وسبق للغرب أن سعى لتصدير تجربته «الإسلامية الديمقراطية في بلد مسلم علماني» إلى الدول العربية، باستثناء مشيخات الخليج التي أعلنت ولاءها لأسيادها، وبمحض إرادتها الحرة والنزيهة، وهو ما يثبت «ديمقراطية أنظمتها الرائعة والمثالية»، التي لا غبار عليها إلا قذارة الدولارات، فوصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه من الدمار الشامل بفضل شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي أطلقها حكّام الخليج والرئيس أردوغان، وهم لا يؤمنون بها أساساً، بل أرادوا لها أن تكون وسيلتهم لتبرير غاياتهم ضد دول المنطقة وشعوبها خلال السنوات العشر الماضية، فسقطت أقنعتهم جميعاً!

باحث علاقات دولية ومختص بالشأن التركي

أترك تعليقاً

التعليقات