حسني محلي

حسني محلي / لا ميديا -

على الرغم من أنَّها تحمل اسم "قمة"، فإنَّ المشاركة فيها لم تعكس هذا العنوان، إذا ما استثنينا حضور أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح وأمير قطر الشيخ تميم.
غاب عن القمة سلطان عُمان، الذي مثّله نائب رئيس الوزراء. كما غاب رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، ومثله نائبه محمد بن راشد آل مكتوم. كما شارك ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بدل والده، وهو ما جعل الأمير تميم وولي العهد السعودي "نجمي" القمة، بغياب الملك سلمان، الذي أراد لها أن تكون الخطوة الأولى على طريق "تسمية وتسويق" ولده محمد ملكاً على البلاد بمباركة من واشنطن، بعد مصالحته الشريك الاستراتيجي الآخر الأمير القطري تميم.
بالعودة إلى القمة، كانت مشاركة مصر بمثابة "تكملة" للصورة التي رسم ملامحها جاريد كوشنير خدمةً للمشروع الصهيوني في المنطقة، حتى في أيام ترامب الأخيرة، وربما هو الَّذي صاغ بيانها الختامي، فقد خصّص المشاركون فيها (من دون تحفّظ أو اعتراض من أمير قطر) نصف بيانهم المشترك لمهاجمة إيران بشكل مباشر وغير مباشر، وبأدق التفاصيل، وبالكلمات والجمل والعبارات نفسها التي عودنا عليها الطرف "الإسرائيلي" دائماً، وخصوصاً في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. ولم يتجاهل البيان الإعلان عن تضامن دول الخليج مع بعضها البعض ومع كل الذين يعادون إيران وحزب الله اللبناني واليمن وسورية والعراق.
وقد أرادت القمة في بيانها أن تعيد إلى الأذهان التحالفات الإقليمية السابقة مع بدايات ما يسمى "الربيع العربي"، بتجاهلها موضوع الإخوان المسلمين، الذين لم يرد اسمهم فيها أبداً، على الرغم من تصنيف الإمارات ومصر والسعودية والبحرين لهم تنظيماً إرهابياً بعد انقلاب السيسي في مصر، فقد حظي الإخوان بدعم مطلق وشامل من تركيا وقطر، التي كانت من الموقعين على البيان بكل بنوده وفقراته، بعد أن تجاهلت أو تناست الدول الخمس الأخرى، ومعها مصر، كل ما قالته منذ قطيعة حزيران/ يونيو 2017 عن "دعم قطر لإرهاب الإخوان المسلمين". كما نسي أو تناسى الجميع ما قالوه عن أردوغان وتركيا ودعمها للإخوان وتدخّلها في مصر وليبيا وسورية والعراق، وهم يعرفون جميعاً أن الرئيس التركي لن يتخلى عنهم وعمن معهم.
ويفسر كلّ ذلك بيان القمة الذي لم يتطرق إلى الفصائل والمجموعات المسلحة ذات الأصول الإخوانية التي تقاتل الدولة السورية. كما لم يتطرق إلى "النصرة" أو "هيئة تحرير الشام" في إدلب، والمصنفة دولياً بالإرهاب.
وكانت المفاجأة الكبرى عندما "أعرب البيان مجدداً عن إدانته التواجد الإيراني في الأراضي السورية وتدخّلات إيران في الشأن السوري، وطالب بخروج كلّ القوات الإيرانية ومليشيات حزب الله وكل المليشيات الطائفية التي جنّدتها إيران للعمل في سورية"، من دون أن يتطرَّق، ولو بكلمة واحدة، إلى التواجد العسكري التركي شرق الفرات وغربه، كما لم يتطرَّق، ولو بكلمة واحدة، إلى الاحتلال الأمريكي ودعمه المليشيات الكردية شرق الفرات، بموازاة الدعم البريطاني والفرنسي والإيطالي، و"الإسرائيلي" أيضاً.
وكان هذا هو حال القمة أيضاً في حديثها عن الوضع في ليبيا، إذ إنها لم تتطرَّق إلى موضوع المرتزقة السوريين، والتواجد العسكري التركي فيها، على الرغم من اعتراف الرئيس أردوغان والمسؤولين الأتراك رسمياً بذلك. كلّ ذلك مع استمرار "الوجود العسكري التركي في قطر"، الَّذي كان أحد أهم شروط المصالحة الخليجيّة مع الدّوحة، التي تضم ودول القمة ما لا يقلّ عن 20 قاعدة برية وجوية وبحرية أمريكيّة.
وجاء بيان الخارجية التركية التي باركت نجاح القمة ليؤكد ارتياح أنقرة للمصالحة بين عدوتها الرياض وحليفتها قطر، ما دامت قد تحقَّقت بمباركة أمريكية، وعلى أساس ما تضمنه البيان الختامي الذي لم يتعارض مع الحسابات التركية الإقليمية، وخصوصاً في سورية وليبيا والعراق، ما دامت القمة أعلنت عداءها لإيران؛ المنافس والعدو التقليدي لتركيا.
وهنا قد يخطر في بال البعض احتمالات المصالحة بين الإخوان مع آل سعود، ما دام حكام قطر والسعودية من المذهب الوهابي الذي كان عدواً تاريخياً لتركيا العثمانية والجمهورية، وحليفاً استراتيجياً لجميع أحزاب وحركات الإخوان المسلمين منذ التحالف السعودي مع واشنطن في العام 1945 وحتى ما يسمى "الربيع العربي".
وقد أدى الرئيس أردوغان دوراً رئيسياً في هذا "الربيع" بجميع مراحله، وبمباركة من واشنطن والعواصم الغربية، التي سعت آنذاك إلى تسويق "تجربة حزب العدالة والتنمية ذي الأصول الإسلامية في بلد علماني ديمقراطي مسلم إلى دول المنطقة وأحزابها".
وما علينا هنا إلا أن ننتظر حتى نراهن على احتمالات التحالف التركي القطري السعودي، الذي قد يكون الهدف الرئيسي للقمة التي تبناها جاريد كوشنير، فإذا حظي هذا التحالف -بكل تناقضاته- بمباركة الرئيس بايدن، فالمنطقة ستدخل حينها في مسارات جديدة بأبعادها المختلفة مع إيران و"إسرائيل" وسورية، وبانعكاسات كل هذه الملفات على الحسابات والمساومات الإقليمية والدولية التي ستحدد مصير المنطقة ومستقبلها بكل تفاصيلها.
وبات واضحاً أن الذين كتبوا مسرحية "الربيع العربي" واعترفوا للرئيس أردوغان بدور البطولة فيها، هم الآن، وفي القمة الأخيرة، يسعون من جديد إلى إعادة ترتيب أوراق المنطقة مع الشابين تميم آل ثاني ومحمد آل سعود.
وقد نسي الجميع، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان، كل ما قالوه عن ابن سلمان ومسؤوليته المباشرة في قتل الصحافي جمال خاشقجي وتقطيع جسده في قنصلية بلاده في إسطنبول، التي ضرب فيها السلطان محمود الثاني رأس عبدالله بن سعود في شباط/ فبراير 1820، بعد أن تمرّد على الدولة العثمانية، وباتت تبرئة الأمير محمد ضرورة ملحّة بعد ترؤسه قمة "العلا"، التي جاء اختيارها لتكون خطوة أساسية على طريق "اعتلائه" العرش بمباركة خليجية ومصرية وأمريكية، وبرضا كل الأطراف التي تسابقت فيما بينها لإعلان تأييدها لما جاء في البيان الختامي.
وكان هذا البيان طبق الأصل عن البيانات السابقة بعد ما يسمى "الربيع العربي"، عندما كان الجميع ضد سورية، ومعها إيران وحزب الله، وهو ما قد يحمل في طياته المصالحة العقائدية بين الإخوان المسلمين، المدعومين من قطر وتركيا، مع نظام آل سعود الوهابي، ليعني ذلك العودة إلى هذا التحالف الإقليمي الثلاثي الذي تحدث عنه حمد بن جاسم آل ثاني في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وهذه المرة بأجندات جديدة لن تكون لصالح إيران.
ومثل هذا الاحتمال قد يضع مصر أمام تحديات صعبة ومعقَّدة في مجمل حساباتها الوطنية داخلياً وإقليمياً، وبشكل خاص في ليبيا والسودان، وعبرهما في الشمال والشرق الأفريقي، حيث أزمة النيل الخطيرة. وتحظى هذه الأزمة باهتمام استراتيجي من "تل أبيب"، التي بعث الرئيس أردوغان رسائل إيجابية إليها خلال الأيام الماضية، وسبق ذلك اتصاله الهاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وكان ذلك بداية التحركات الإقليمية التي انتهت بقمة "العلا" التي يراهن البعض على أهميتها الاستراتيجية بالمصالحة بين الشابين تميم ومحمد، فيما لا يستبعد آخرون أن تتحول إلى سراب في صحراء العلا، وآثارها تتحدث عن آلاف السنين من الحضارات المتداخلة. وقد أراد "اليهودي" جاريد كوشنير لها ولممثليها في القمة أن يكونوا الآن معاً في خدمة اتفاقية "ابراهام".
قد تكون هذه الاتفاقيّة بحساباتها المستقبلية الموضوع الأساسي في حديث محمد بن سلمان مع الشيخ تميم عندما عانقه أمام الطائرة، ثم تجولا معاً يداً بيد، حتى عندما كانا في السيارة جنباً إلى جنب، ولم يكن أحد معهما، والله أعلم بما اتفقا عليه، وضد من في المنطقة، ويبدو واضحاً أن الستار لن يسدل أبداً على مسرحياتها، وهي دائماً بنكهة المضحك المبكي!

أترك تعليقاً

التعليقات