اليمن يصنع التاريخ
 

توفيق هزمل

توفيق هزمل  / لا ميديا -
أغلب من كتبوا عن الدخول اليمني على خارطة الصراع مع الكيان الصهيوني انصب جل تركيزهم على القدرات العسكرية اليمنية التي أذهلت الصديق قبل العدو.
صحيح أننا حققنا إنجازاً غير مسبوق، وأن أفقر بلاد العالم وأكثرها تخلفا في مختلف المجالات، الاقتصادية والتعليمية والصحية... إلخ قد بسطت سيطرتها على أهم الممرات التجارية الملاحية العالمية، لكن القضية تتجاوز القدرة العسكرية والنجاح في فرض حصار بحري وتركيز ضغط غير مسبوق تاريخيا على الكيان المجرم وداعميه.
القضية تحمل أبعاداً تاريخية وإنسانية وسياسية واستراتيجية أكثر عمقاً، حتى أنه يمكن الجزم بأنها تمثل نقطة تحول في التاريخ الإنساني.
عبر التاريخ الإنساني وفي مختلف الحضارات وفي أوساط مختلف شعوب الأرض وثقافاتها، هناك أيقونة ملهمة لتجسيد قيم الخير والشر، وعلى الدوام كانت قيم الخير تتمثل في شخصية بطل أو مجموعة ضعيفة ومهمشة لا تمتلك أدنى مقومات القوة المادية، وقوتها الوحيدة تتمثل في رفضها للظلم واستعدادها للتضحية في سبيل مواجهته، فيما تتمثل قيم الشر في شخصية شريرة أو مجموعة تمتلك كل أسباب القوة المادية وتعيث في الأرض فساداً وتمارس أبشع الجرائم تجاه الضعفاء ويخشاها الجميع ويخضعون لها.
وعلى الدوام كانت هذه الأيقونة هي المحرك للمشاعر والمواقف في أوساط الشعوب، فبمجرد أن يتحرك البطل الفقير لمواجهة المجرم القوي تتحرك معه الشعوب ويتم استنهاضها لإسقاط قوى الشر.
الأمثلة طويلة: موسى وفرعون، طالوت وجالوت، محمد وقريش... هذا في ثقافتنا الدينية، ولكل الثقافات نماذج، ولا يحتاج أي منكم لقراءة التاريخ للوصول إلى الحقيقة التي أسردها. فلا شك أن أغلبكم قد شاهد أفلاماً، غربية أو شرقية، تجسد فكرة الصراع بين الخير والشر، وكمثال يحضرني هنا الفيلم الأمريكي الشهير المسمى «القلب الشجاع»، والذي يحكي القصة الملحمية للأيقونة الاسكتلندية «ويليام والاس».
على المسرح العالمي اليوم يجسد اليمن وشعبه تلك الأيقونة العالمية للبطل الذي يمثل قوة الخير، ذلك البطل الفقير الضعيف الذي قرر الوقوف في وجه قوى الشر المهيمنة التي لم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهها .
تحرك البطل اليمني على المسرح العالمي، حطم القوة الناعمة لقوى الشر الصهيونية، وعلى رأسها أمريكا، التي تتمثل في حرص قوة الشر على تصوير نفسها كقوة خير، بالإضافة إلى أن البطل اليمني حطم هيبة قوى الشر وتجرأ على الوقوف في وجهها.
هذا التحرك، وهذه الأيقونة اليمانية، يتردد صداها اليوم في أوساط مختلف الشعوب، التي كانت إما لا ترى أمريكا كقوة شر نتيجة القوة الناعمة، الدعائية والإعلامية والثقافية والاقتصادية؛ أو أنها تعرف أن أمريكا هي قوة الشر التي لا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهها .
بعد تحطيم القوة الناعمة لأمريكا وإسقاط هيبتها، أصبحت المسألة مسألة وقت حتى تتحرك شعوب الأرض في وجهها، وحركة الشعوب ليست آنية سريعة، فهي تأخذ وقتا لتتشكل كرأي عام يتحول عبر المزاج الشعبي إلى موقف للأحزاب والقوى السياسية، التي ستنعكس على مواقف الأنظمة والحكومات. هيمنة أمريكا على العالم ستسقط بفعل الأيقونة اليمانية.
فلم يتم تجسيد قوة الخير في البطل الفقير، وقوة الشر في الشرير القوي المستبد في العصر الحديث كما تتجسد اليوم، فدوما كانت أمريكا تضخم أعداءها وتبالغ في وصف خطرهم وقوتهم لمنع تحولهم إلى أيقونة ملهمة تفضح كونها تمثل قوة الشر في العالم، ولكن هذه المرة تقف أمريكا عاجزة أمام اليمن الذي دمرته سنوات من الحروب وطحنته المجاعة، ولكنه قرر الوقوف في وجهها.
اليمن يصنع التاريخ، ومن عاش إلى المستقبل القريب خبَّر عما أقوله لكم، لكي لا ننسى أن فتية آمنوا بربهم، وشعب صابر، قادهم بطل مؤمن، قد استطاعوا أن يغيروا وجه العالم بضعفهم وبقوة الله.

أترك تعليقاً

التعليقات