المسيرة والبعير!
 

توفيق هزمل

توفيق هزمل / لا ميديا -
كانت ضربة يافا بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير الصهيوني، هذا الظهر المرتكز على نظرية الاستقرار الأمني للكيان. هذه النظرية هي التي صنعت الكيان، فعبرها تم جلب المستوطنين من أنحاء العالم، حيث إغراء الاستقرار والأمن وفرص الثراء السريع والحياة الرغيدة التي تتفوق على مثيلاتها في الغرب الأوروبي والأمريكي.
شكلت المقاومتان الفلسطينية واللبنانية صداعاً مستمراً للكيان جرى احتواؤه عبر خلق توازنات هشة داخل المجتمعين اللبناني والفلسطيني. هذه التوازنات بنيت على تعزيز الانقسامات الطائفية في لبنان والانقسامات السياسية في فلسطين، وهو الأمر الذي شكل عوامل ضغط على المقاومة، ووضع سقفاً لتحركاتها العسكرية. هذا السقف هو سقف رد الفعل، بحيث بقي الفاعل الأساسي هو الكيان الإجرامي.
عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر كسرت سقف رد الفعل، وأصبحت المقاومة هي الفاعل. هذا الأمر أخل بمعادلة استقرار الكيان. وهذا الخلل يمثل تهديداً وجودياً للبنية الديموغرافية للكيان المؤقت. فعوامل الإغراء للمستوطن القادم من أوروبا وأمريكا للبقاء في الكيان بدأت تتلاشى، فالأمن والاستقرار فُقِد، والفرص الاستثمارية ومستقبل الحياة الرغيدة أصبحت مثار شك.
إلا أن الكيان، رغم هذا الوضع الحرج، استطاع الإبقاء على بؤرة آمنة للنخب الرأسمالية اليهودية الغربية، والتي تمثل العصب الأساسي لبقائه واستمراره. هذه البؤرة هي العاصمة الاقتصادية للعدو التي أقامها في منطقة يافا وأطلق عليها اسم "تل أبيب"، المقتبس من رواية "التوليند" التي ألفها مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل، والتي ترمز إلى المدينة النموذجية من ناحية الأمن والاقتصاد والحياة الرغيدة.
وضع الكيان كل ثقله لحماية تل الأمان، فضرْبُ التل الآمن من قبل المقاومة اللبنانية يقابله تدمير بيروت وتفجير التوازنات الهشة للدولة والمجتمع اللبناني، وضرب التل الآمن من غزة يعني إبادة أهل غزة وتسويتها بالأرض، ولأجل ذلك يستمر الكيان في تدمير غزة وإبادة سكانها لترميم الثقة المهتزة في تله الآمن.
ومن البعيد جاء لاعب لم يكن في حسابات الكيان الغاصب. هذا اللاعب هو اللاعب اليمني الخارج من تحت رماد حروب امتدت أكثر من 18 عاماً، نصفها عدوان خارجي إقليمي وعالمي.
صحيح أن هذه الحرب أخرجت اللاعب اليمني منهكاً من الجوع والفقر والحرمان، ولكنه أصبح محصناً من الخوف ومتحرراً من كل قيود الحسابات السياسية والاقتصادية، لأنه لم يعد يملك ما يخشى أو يخاف عليه. هذا اللاعب امتدت يده الطولى إلى قلب التل الآمن، بضربة المسيّرة التي قصمت ظهر نظرية التل الآمن.
فإن كانت إبادة غزة وتدميرها تقدم كقربان لهذه النظرية ولإعادة الثقة للنخبة الاقتصادية الغربية المستوطنة للتل، فكيف العمل مع اليمن؟!
هنا سعى الكيان للبحث عن هدف في اليمن يمكن تضخيم أثره في نظر النخب الاقتصادية المستوطنة في التل. ولكن في اليمن لا يوجد هدف دسم أو استراتيجي، في بلد تعرض لأكثر من ربع مليون غارة.
فلجأ العدو لحيلة الألعاب النارية، لذا اختار خزانات النفط في ميناء الحديدة، والتي من السهل إشعالها بعود كبريت أو عقب سيجارة. ولم يكلف الكيان قائداً عسكرياً للتخطيط للعملية، بل كلف مخرجاً سينمائياً. صور الطائرات الأمريكية الأحدث في العالم وهي في مرابضها، وصور عملية تسليحها بأحدث الصواريخ، وصور صعود الطيارين إلى الطائرات بملابسهم الأشبه بملابس رواد الفضاء، وقام بالتقاط صور للطائرة وهي تحلق في الجو، وصور كل قادة الجيش، ورئيس حكومة الكيان، وهم يتابعون العرض السينمائي من غرف العمليات، وختم الفيلم الدعائي بمشهد درامي للألعاب النارية، فالحريق الناتج عن انفجارات صهاريج الوقود خلق مشهداً مهيباً جرى تسويقه مع الفيلم الدعائي كعمل جبار ورسالة ردع لكل الشرق الأوسط حسب زعم رئيس "الكنيست الإسرائيلي"!

أترك تعليقاً

التعليقات