بين التغييرات والمتغيرات
 

توفيق هزمل

توفيق هزمل / لا ميديا -
نحن على أبواب الدخول في المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية والمتمثلة في تشكيل حكومة مصغرة من الكفاءات بدل حكومة الأربعة والأربعين وزيرا. هذا الدخول الوشيك جاء بعد مرحلة دراسة وإعداد وانتظار حدوث متغيرات إيجابية، خصوصا في ملف المفاوضات لضمان دفع المرتبات ورفع القيود الاقتصادية، وبالتالي توفير الحد الأدنى من متطلبات نجاح الحكومة الجديدة القادمة.
لكن كما قيل: تأتي الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ؛ فالمتغيرات الإقليمية، ولاسيما الصراع مع الكيان المجرم الذي يرتكب جريمة إبادة جماعية علنية غير مسبوقة ضد المستضعفين في فلسطين، وما رافق الصراع من تطورات وتداعيات أدت إلى تجميد العمل بخارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في المفاوضات، بالتالي وبدلا من توفير مناخ وقدرات اقتصادية ولو بالحد الأدنى للحكومة القادمة زاد تعقيد الوضع الاقتصادي وشحة الموارد، وهو الأمر الذي يخفض سقف التوقعات التي كان مؤملاً أن تنجزها الحكومة، وأصبحت محصورة في تحسين طرق الإدارة وإنهاء الفوضى المؤسسية، وإيقاف تدخلات مراكز القوى في إدارة الشؤون العامة.
إن أمام الحكومة مهام أخرى تستطيع القيام بها، مثل دارسة البنية أو الهيكلية المؤسسية للدولة والقوانين السارية، وبالتالي تشخيص مكامن الخلل الهيكلي والقانوني، ثم وضع برنامج تغيير جذري للبنية الهيكلية لمختلف مؤسسات الدولة والأنظمة والقوانين واللوائح المنظمة لعملها... ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة التغيير القانوني والمؤسسي.
ويجب أن تليها دراسة مرحلة التغيير الدستوري لبنية الدولة، وهل تظل الدولة تعمل وفق النظام الفرنسي القائم؛ أي نظام حكم برلماني مطعّم بالنظام الرئاسي أو يتم التحول إلى النظام الرئاسي أو النظام البرلماني الحكومي؟
لأن النظام الفرنسي الهجين أثبت فشله في اليمن، بحيث حوّل الحكومة إلى مجرد شماعة لأخطاء الرئاسة، وما صلُح فهو من إنجازات الزعيم وما خرب فهو من الحكومة، بينما واقع الحال أن السلطة الفعلية بحسب النظام الدستوري القائم هي بيد الرئيس، فكل المؤسسات التنفيذية والهيئات التابعة نظريا للحكومة تدار من قبل الرئاسة، وليس أمام الوزراء إلا إدارة دواوين الوزرات، ولا سلطة لهم على كل المؤسسات التي يفترض أنها تابعة للحكومة.
إن إيجاد حل لمعضلة الفوضى وتداخل الاختصاصات وإعادة الاعتبار للقوانين وقدسية الالتزام بها، مهما كان سوؤها، لحين تغييرها أو تعديلها، هو الإنجاز المؤمل من الحكومة الجديدة، وهو مقياس نجاحها أو فشلها.
وعني، لن أنتقد الحكومة ورئيسها ووزراءها خلال السنة الأولى من عملها؛ ولكن بعد السنة أي وزير قبل على نفسه استلاب صلاحياته وتمرير قرارات من خلفه أو سمح بتجاوزه والتواصل أو توجيه من تحته من أي جهة كانت، سواء رئاسة أو جهات أمنية أو عسكرية أو مراكز قوى... إلخ، فهو خائن لأمانة الله ورسوله والسيد القائد، وخائن للشعب إذا قبل الخضوع طمعا في استمرار امتيازات المنصب الشخصية، سواء المالية أو الوجاهية... إلخ، وهو في الوقت نفسه لص وإن لم يسرق ريالا واحدا، لأنه خان أمانته مقابل التمتع بامتيازات لم تعطَ له إلا لكي يحفظ الأمانة وشرف القرار والمنصب ومصلحة الشعب قبل كل شيء. والله من وراء القصد.

أترك تعليقاً

التعليقات