التهديد الأمريكي وعصر الغروب الاستعماري
 

غالب قنديل

غالب قنديل -

شهدنا منذ العام 2000 أحداثاً صاخبة في المنطقة حافلة بحروب الغزو والوكالة التي قادتها الولايات المتحدة، بهدف إخضاع الشرق وكسر إرادة التحرر الوطني التي تجسدت بتشكل محور المقاومة والاستقلال، الذي انطلق من التحالف السوري الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي.
عبر الزمن وفي جولات المجابهة المتلاحقة، اشتد ساعد فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين التي رعاها هذا التحالف التحرري المتين، فألحقت هزائم كبرى بالحلف الأمريكي الصهيوني رغم الحشد الدولي الإقليمي الكبير الذي جندته واشنطن بأشكال متعددة منذ الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وفي سياق تلك الغزوة الاستعمارية المتواصلة لتثبيت الهيمنة ومحاصرة مواقع المقاومة والتمرد، كانت ذروة الفشل والتعثر في ملحمة الصمود السورية المتواصلة منذ سنوات، بعد الخيبة الأمريكية في العراق وأفغانستان.
التطويق والحصار والعقوبات لم تزعزع صلابة موقف المحور، ولم تردع خياره التحرري الاستقلالي المعادي للهيمنة، ولم تلجم ديناميكية العمل الإيراني المتواصل والمثابر لبناء القدرات الذاتية المتطورة وتقديم الدعم لسائر أطراف المحور وشبك التحالفات الاستراتيجية النوعية والشراكات الكبرى مع الصين وروسيا، فتجذرت إرادة المقاومة والتحرر وتوسعت لتشمل ساحات جديدة أبرزها العراق واليمن، إضافة إلى سورية ولبنان وفلسطين.
قبيل بروز قوة الدفاع والردع اليمنية التي سددت مؤخرا ضربات موجعة لمرافق النفط السعودية، كان انكسار موجة العربدة الأمريكية البريطانية الأخيرة ضد إيران التي انطلقت بحشد الأساطيل وبتشديد العقوبات "القاتلة". فكان الانكفاء الأمريكي والغربي في حصيلة ميزان القوى الذي اضطرت دوائر التخطيط الحربي في واشنطن لاستعراضه، عندما استدعى دونالد ترامب أركان إدارته لتقدير الموقف.
كرر جنرالات البنتاغون أمام الرئيس النرجسي المتغطرس حصيلة قاسية للمعادلات بعد إسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية في اجواء إيران؛ وهي الحسابات نفسها التي أكرهت باراك أوباما على سحب الأساطيل والتراجع عن قرار ضرب سورية عام 2013، بعد تعثر حرب الوكالة وتصدع حلف العدوان، في حين أظهرت اختبارات قوة اخرى عديدة قامت بها القاعدة الاستعمارية الصهيونية طيلة هذه الأعوام خسارة "إسرائيل" لتفوقها الافتراضي منذ هزيمتها في حرب تموز التي خيضت بقيادة امريكية كاملة وبتحالف دولي عربي عريض. والحصيلة التي جددتها عربدة نتنياهو الأخيرة في سماء لبنان هي أن توازن الردع الذي تفرضه المقاومة يكتف الكيان الصهيوني الذي ردع أيضا على جبهة غزة المحاصرة.
يفهم قادة البنتاغون ويعرفون الكلفة الباهظة والخطيرة لأي مغامرة بالحرب على إيران وما سترتبه من نتائج وتداعيات لما يطلق عليه المحللون في الغرب تسمية المواجهة الكبرى في جميع جبهات المنطقة بين المحورين المتقابلين، وهذا سر تصريحات ترامب الأخيرة التي لف بها تهديدات وزير خارجيته مايك بومبيو بعد العملية اليمنية تلافيا لما هو أسوأ. كما تكشف تصريحات ترامب في الوقت عينه رغبة جامحة في مواصلة ابتزاز حليفه السعودي بذريعة الحماية التي تكشفت عن ادعاء كاذب وخادع، بعد فضيحة عجز الأقمار الصناعية وطائرات المراقبة وبطاريات الباتريوت وترسانة كاملة من السلاح والعتاد الأمريكي، الذي باعه الأمريكيون وسائر حكومات الغرب للمملكة بمبالغ باهظة، عن اعتراض الطيران اليمني المسير والصواريخ اليمنية المطورة محلياً.
الأنكى والأشد فضائحية هي أن ترامب لم يرف له جفن في التباهي باقتناص فرصة ضرب مصادر النفط السعودية وإنزال طاقتها إلى النصف لرفع الصادرات الأمريكية ولتسويق النفط الصخري، الذي بات مربحا مع موجة ارتفاع الأسعار الجديدة التي عرفتها الأسواق العالمية بعد الهجوم اليمني المضاد.
إننا نعيش عصر الغروب الاستعماري في الشرق بجميع ساحاته. وقد برهنت المقاومة اليمنية أن الحماية الأمريكية لحكومات الخليج هي وهم خالص ويمكن أن تتصدع وتسقط أمام بأس المقاومة التي أبداها المدافعون عن اليمن في وجه العدوان الأمريكي الأطلسي السعودي، وهي ليست قادرة على الصمود في وجه حلف المقاومة مجتمعا لو حانت ساعة الاختبار الأخطر. والخلاصة الفعلية اليوم هي أن المملكة السعودية عالقة في مستنقع استنزاف خطير نتيجة مغامرتها في اليمن التي تكبدت فيها خسائر فادحة سياسية ومعنوية وأهدرت إمكانات طائلة في جيوب حليف لا يؤتمن ولا يشبع، وهو مصمم على الابتزاز.

أترك تعليقاً

التعليقات