أول الطريق تأكيد الثقة بالمقاومة
- غالب قنديل الأثنين , 2 ديـسـمـبـر , 2019 الساعة 6:32:50 PM
- 0 تعليقات
غالب قنديل - كاتب لبناني -
طيلة السنوات والعقود الثلاثة الماضية تعمدت الثقة الشعبية والسياسية بقائد المقاومة السيد حسن نصر الله، ورفاقه، بتجارب صعبة ومتلاحقة بذلوا فيها التضحيات وتحملوا أشرس الضغوط وجابهوا التحديات الوجودية الكبرى التي عصفت بالوطن، فكانوا يثبتون فيها جدارة عالية في حمل راية التحرر الوطني باتخاذهم المبادرات المناسبة في التوقيت المناسب، وهو ما ثبت تلك الثقة وأعطاها دفعا متجددا وقوة وثباتا وولاء، وراكم وجدانا شعبيا عابرا لجميع التلاوين اللبنانية الطائفية والمناطقية، ملؤه التقدير والاحترام للمقاومة وقائدها برصيد كبير من الإنجازات، ومن الطبيعي بالتالي ان تتجه أنظار سائر اللبنانيين إلى هذه القيادة الوطنية المضحية والحريصة المحترمة والرصينة والحكيمة.
الصراع الحقيقي الدائر بجميع أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية مازال مضمونه التناقض بين الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وإرادة التحرر الوطني التي هي محور الصراعات والأزمات والتحديات والمؤامرات، وجاءت الأزمة العاصفة الراهنة في ذات السياق تؤكد ذلك الجوهر وتسقط وهم الفصل التعسفي الافتراضي بين الوطني والاجتماعي في بلد يقع على فالق الصراع العربي الصهيوني، وهو ساحة رئيسية للصراع والتجاذب الكبير حول مستقبل المنطقة والعالم.
أظهرت الأزمة الراهنة اندماجا عضويا بين البعدين الوطني والاجتماعي، فعندما يسعى العدو الاستعماري الأمريكي الغربي شريك الكيان الصهيوني وحاضنه الأول، ليحول الانهيار الاقتصادي والمالي وآثاره الاجتماعية الخطيرة إلى فرصة لتكريس هيمنته السافرة سياسياً واقتصادياً، تصبح مقاومة الهيمنة وإرادة التحرر هي جوهر التصدي لهذه الأزمة التي يتطلب الخروج منها تغييرات شاملة وجذرية سياسية واقتصادية، تتطلب لتحقيقها حالة متقدمة من التماسك الشعبي حول خيار المقاومة والتحرر، وخططا نوعية ومنهجية لانتشال الوطن من كارثة أورثتها تبعية النموذج الريعي الاستهلاكي للهيمنة رغم خضوعه لواقعية التوازنات وللمساكنة السياسية مع المقاومة في معادلات السلطة نتيجة استعصاء التوازنات.
كان الخطاب الأخير لقائد المقاومة مشروعا متكاملا للإنقاذ الوطني ولخيار التوجه شرقاً، وهو بشر بالبديل التاريخي الواقعي من النموذج الذي انهار مؤخراً، وقد فتح به أفقا فعليا لقيادة تحول كبير ونوعي في حياة اللبنانيين، ومن هنا دعوته لحكومة سيادية لا ترضخ للإملاءات الاستعمارية وقادرة على تبني هذا البرنامج ومواجهة التحديات والمعارك التي قد يفرضها كمشروع تحرري يقود إلى التنمية الاقتصادية وإحياء موارد الثروة التي استنزفت وتم تخريبها ونهبها بشراسة وتوحش لا تختصره فحسب لصوصية المنافع والسطو على المال العام في نظام مبني على التقاسم، بل جميع سلوكيات النظام الريعي التابع وخياراته الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية.
ذلك التغيير المنشود ليس رحلة سهلة تماما كوعد التحرير من الاحتلال الصهيوني عندما تبلورت فكرة إطلاق المقاومة العظيمة بعد الغزو الصهيوني عام 1982، وبالتالي فإن بلوغ الغاية المنشودة يفترض تخطيطا وتحضيرا وإعدادا للقدرات وتصورا لآليات الانتقال السياسي ومضمونها وتعبئة للجهود وللرأي الشعبي العام بمضمون الأهداف الانتقالية وبالمراحل المتدرجة التي تتيح تحقيق تلك الغاية الإنقاذية التي سيعني النجاح بإنجازها افتتاح مرحلة تاريخية جديدة وتدشين نمط جديد من العيش بحرية والتشبيك بالعمق القومي وبالشرق الصاعد لالتقاط الفرص الثمينة، وكل ذلك يفترض إجراء الحساب الدقيق لمبادرات وخطط الحلف الاستعماري الصهيوني الذي يرفض بشراسة تحولا بهذا الحجم في واقع لبنان الاقتصادي والسياسي وموقعه الاستراتيجي.
بقدر ما يعتبر المخططون الاستعماريون أن وقوع الانهيار بات فرصة ضغط وابتزاز لتثبيت الهيمنة ولمحاصرة المقاومة وعزلها، فهو أيضا فرصة لبلورة البديل الوطني الجذري والتحرر من أسر النموذج الريعي التابع الذي ترنح بينما يسعى المستعمرون لإنعاشه والمد بعمره بجرعات ديون جديدة مقابل ثمن سياسي هو السيادة بجميع معانيها.
نحتاج في هذه الظروف إلى مزيد من الحوار والنقاش والتواضع في عرض الخيارات والمسارات وتجسيد الانحياز الحاسم لخيار التحرر الوطني والثقة بالمقاومة وبقائدها، وهي عبرة التجارب القريبة والبعيدة التي تمثل ضرورة ملحة في المرحلة التاريخية الراهنة، ولذلك ينبغي تكريس الجهود لشرح مضمون البديل الذي قدمه قائد المقاومة، وتعبئة الناس بمضمونه، وينبغي التواضع قليلا في عرض الاقتراحات والحث على تنفيذها من غير المس بتلك الثقة أو هزها، وهذه دعوة للمزيد من النقاش والحوار بموضوعية وبمسؤولية وبترسيخ الثقة التي هي زاد شعبنا الثمين كما برهنت التجارب.
إن أية فكرة أو اقتراح تكلف مطلقها صياغة عباراته كتابة أو قولاً، لكن قرار المقاومة القوة الكبرى المسؤولة وطنياً وإقليمياً يكلف الكثير إذا ارتجل باستعجال تحت الضغط، ولم يخضع لإجراء الحساب الدقيق والمتأني في ميزان التحديات والفرص بالتعامل مع تركيبة طائفية وسياسية شديدة التعقيد وشبكة من المصالح المتجذرة، وفي ظل التدخلات الاستعمارية الشرسة.
* كاتب لبناني
المصدر غالب قنديل
زيارة جميع مقالات: غالب قنديل