غالب قنديل

غالب قنديل / #لا_ميديا -

أقدم محور الهيمنة الأميركية الصهيونية وعملاؤه على تنفيذ جريمة قتل في العراق تفتح أبواب الصراع الحقيقي على مستقبل المنطقة وتوازناتها بدون أي مواربة أو تغطية، وأنهى المستعمر بذلك حقبة امتدت لسنوات من التكيف مع المعادلات القاهرة بالمساكنة السياسية مع محور المقاومة، في عملية اغتيال بشعة أمر بها دونالد ترامب شخصيا وفق بيان البنتاغون صباح الجمعة الدامي.
خيم الحزن على بغداد واتشحت بالسواد بعد شيوع النبأ، وتسارعت فيها بيانات النعي والإدانة لقتل أبرز القادة وأشجعهم، ولشريكي الكفاح والقتال الذي دحر غزوة داعش الأميركية. وشملت مراسم النعي والحداد والتعهد برد مناسب العاصمة الإيرانية طهران، حيث رأس المرشد الخامنئي اجتماعا لمجلس الأمن القومي وعين نائب الشهيد سليماني خلفا له على رأس فيلق القدس. وفي بيروت نعى القائد نصر الله الشهيدين، وكانت كلمات العزاء والعهد بلسان الرئيس الأسد من دمشق، وكذلك فعلت صنعاء التي دعت قيادتها إلى تطوير حاسم في عمل محور المقاومة يليق بالتحدي. كما ترددت أصداء النعي والعهد في فلسطين، حيث للواء الشهيد قاسم سليماني رفاق درب وتلامذة يعرفونه ويحبونه ويبكونه بحرقة شديدة يصحبها العزم على الرد الصارم اللائق ببطل الساحات والمعارك وقائد عمليات محور المقاومة.
فيلق القدس الذي قاده الشهيد سليماني طيلة سنوات انبثق مع الثورة الإيرانية، وهو الذراع العابرة للحدود والتجسيد الحي لوحدة معركة الاستقلال والتحرر، وهو القوة الجامعة للمقاومين من جميع الأقطار على عهد مقاومة الاستعمار والصهيونية وتحرير فلسطين.
القائدان الشهيدان جمعتهما مسيرة النضال التحرري، وكان الحدث العظيم على توقيت فصل جديد من المعركة المفتوحة ضد الهيمنة، وذروة دامية في الانقلاب الأميركي على المساكنة التي سبق أن تفاوض على فصولها معهما، بالذات، وخصوصا مع اللواء سليماني. وبقدر ما احترم محور المقاومة التزاماته، عمل المحتل الأميركي على التنصل مما تعهد به، وقاد انقلابا شاملا بثورة ملونة مصنعة ما لبث أن قلبها عليه شعب العراق الذي هب يطوق السفارة الأميركية الأضخم في المنطقة بعد جريمة موصوفة ضد معسكر الحشد الشعبي في القائم الحدودية.
إنه الحشد الشعبي، القوة الوطنية التحررية التي رعاها فيلق القدس وساند فصائلها بالتدريب والتسليح والتجهيز، بشراكة مباشرة مع القائد أبو مهدي المهندس ورفاقه المقاومين، الذين هبوا لدحر غزوة داعش والقاعدة، ثم بعد الانتصار جاهروا بهوية تحررية تتصل بوجهة المحور بأسره نحو فلسطين، وكانت احتفالاتهم بيوم القدس منصة إشهار عقائدي وسياسي لانتماء الحشد إلى محور المقاومة، ومحفزا لاستهدافه بكل الوسائل من جانب المحتل الأميركي وعملائه، رغم مظاهر تكريسه كمؤسسة عسكرية رديفة تعترف بها السلطات العراقية في قلب هياكلها.
تركزت الأسئلة على طبيعة الرد ومكانه وحجمه. والطبيعي أن تناقش الاحتمالات من زاوية أوسع تطال المنطقة برمتها ومستقبل الاحتلال الأميركي وعملائه في العراق وسورية، وينبغي الترقب لأيام قادمة ستحمل مزيدا من مواقف قادة المحور الذين شاركوا في نعي أسد الشرق اللواء قاسم سليماني، وبطل الدفاع عن العراق أبو مهدي المهندس. ويمكن أن تبنى الاحتمالات اعتبارا من مطلع الأسبوع المقبل، فصراع المحورين سجال، والجريمة ليست عملية موضعية بسيطة، بل زلزال كبير يستحق ردا من عياره يرتب نتائج نوعية على توازن القوى، ويدشن فصلا جديدا من الصراع ضد الاحتلال الأميركي ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية، وبالتالي من البديهي توقع انتقال محور المقاومة إلى حالة المبادرة الهجومية التي تفرض توازنا نوعيا جديدا في جميع ساحات المجابهة ضد الاحتلال والهيمنة والوصاية بجميع أشكالها.
إن انتقال محور المقاومة والاستقلال والتحرر إلى أنماط جديدة من التنظيم وتوحيد الجهود ضد الحلف الاستعماري الصهيوني وعملائه وأذنابه هو التحدي الحقيقي، والانتقال من وضعية المحور المتناغم المتساند إلى الكتلة الواحدة المتشابكة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا هو سبيل الرد الرادع على الجريمة البشعة وعلى الانقلابات الأميركية والمؤامرات المتجددة في ركابها.
الثأر الحقيقي لدماء أبطال التحرر والاستقلال هو استكمال ما بدؤوه في حياتهم من نضال في سبيل أهداف كبرى جاهروا بها وحملوها بين الضلوع حتى الشهقة الأخيرة في لحظة غدر جبان.
لا مجال بعد اليوم للصمت أو التردد في أخذ زمام المبادرة بضرب أوكار المحتل الأميركي وعملائه وجواسيسه في كل زاوية من أرض الشرق العربي. ولا مجال للتعامل بالحساب المنفرد لظروف الساحات، فمن اتخذ قرار القتل كتب نقطة النهاية لعهود الصبر والاحتواء، ومن صنعاء إلى طهران وبغداد وبيروت ودمشق تمتد قلاع المقاومة التحررية في الشرق وترتسم خارطة شرق جديد تسيجه دماء المقاومين وأرواح الشهداء.


* كـاتـب لبنانـي

أترك تعليقاً

التعليقات