رصيد الثورة
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم يحيى / لا ميديا -
الناس أشكال وألوان فعلاً، فهناك المؤدب وقليل الأدب والخشن واللطيف والسفيه والحليم... الخ.
وبرغم هذا يظل أكثر الناس سقوطاً ووضاعة هو ذلك الذي تتغير أخلاقه حسب الشخص الذي أمامه، فإذا كان الذي أمامه أعلى منه مرتبة تراه خلوقاً ولطيفاً ومهذباً، وإذا كان الذي أمامه أقل منه مرتبة تراه خشناً وسفيهاً وفظاً غليظ القلب.
أعتقد أن الشخص الذي لا تتغير طبيعته، حتى وإن كان سفيهاً مع الجميع، فهو أفضل من المنافق والمتلون، الذي تراه مؤدباً لساعة وقليل الأدب لساعات.
أنا عانيت من هذه النوعية كثيراً، ويمكنني أن أؤكد لكم أن هذه النوعية من الأشخاص هي سبب كل المشاكل في البلاد.
مثلاً أحد المدراء الذين عاشرتهم خلال السنوات الماضية، لم يكن يحترم أحداً من موظفيه، وكان يعتقد في قرارة نفسه أنهم عبيد اشتراهم من سوق النخاسة.
طريقة حديثه ليس فيها شيء من الأدب والتواضع. نظراته تعبر عن كمية الهنجمة والاستعلاء التي تسيطر عليه. ألفاظه كلها سوقية وبذيئة...
هذه أخلاقه التي عرفناه بها أنا وبقية الموظفين؛ لكن الأمر الصادم أن أخلاقه تغيرت بمقدار 180 درجة عندما زارنا شخص أعلى منه منصباً.
لقد تحول إلى رجل خلوق جداً، يتحدث بهدوء ولطف ويختار ألفاظه بعناية فائقة، وكأنه أكثر الناس أدباً ووقاراً.
استمر الأمر لمدة نصف ساعة تقريباً، إلى أن غادر ذلك الشخص الأعلى منه منصباً، فعاد إلى طبيعته الكريهة.
بعد فترة من الوقت خرجت الأمور عن السيطرة وزادت المشاكل بيننا وبينه، حتى تعدى على أحد الموظفين بالسب والشتم لأهل بيته. وعندما رفعنا به شكوى إلى المسؤولين عليه وأخبرناهم بما فعله لم يصدقوا، فقد كانوا يظنون أنه ذلك الرجل الخلوق المهذب.
كنت قد نسيت هذا الأمر؛ لكن ما جعلني أتذكر هو الحادثة الأخيرة، حين قام مسؤول كبير بالتعدي على موظف ورفع الحذاء في وجهه، ثم وقف كل مستحقاته وإيقافه عن العمل، وفي الأخير يموت الموظف قهراً وكمداً.
إنه ظلم كبير، وكالعادة لا نرى أي إنصاف أو التفات من قبل الجهات المعنية.
وهذا أكبر ابتلاء نزل علينا، أن يصبح من مميزات المسؤول اليوم (السفاهة واليد الطويلة).
كل هذا يحصل ونحن ننشد دولة الإمام علي، وحين نرى الواقع نكتشف أن بيننا وبين دولة الإمام علي سنين ضوئية.
وهذه الممارسات كلها تخصم من رصيد دماء الثورة الزكية؛ لكننا لا نفهم ولا نقتنع بهذا الكلام.
هذه مشكلتنا الكبرى في المسيرة القرآنية.
أصحابنا يحبون المنافقين والمداهنين والممثلين، ويعتبرونهم ملائكة منزلين من السماء.
أما الصادقون والمخلصون والمهذبون حقاً فلا مكان لهم في هذه الحياة.
يجب ألا تقبل المسيرة القرآنية هذه النوعية من الأشخاص؛ لأنهم كلما كبروا كلما خصموا من رصيد المسيرة في المجتمع بشكل عام.
هؤلاء هم السم. هؤلاء هم العدو والخطر الحقيقي.
سيهاجمنا البعض ويقول إننا نخدم العدو بحديثنا عن هذه المواضيع، وأنا أقول:
لا تكونوا عمياً إلى هذه الدرجة! أولئك الأشخاص هم من يخدمون العدو، وليس من يتحدث عنهم وينطق بالحق.
إن كانت المسيرة تهمكم حقاً، فطهروها من الفاسدين والسفهاء ولا تتركوهم يظلمون ويبطشون باسمها.

أترك تعليقاً

التعليقات