نجيب القرن

تناول ظاهرة الجماعات الإسلامية واختلاف أسلوب كل جماعة عن الأخرى، أمر يطول، ولا يمكن حصره في مقال أو بحث واحد، وقد يغرق العقل في خضم الكثير من المسائل والتناقضات المتعددة، دون الخروج بكافة التفاصيل.
كيف إذن وصل المسلمون لنشوء هذه الجماعات المختلفة والمتناحرة فكرياً حد حمل السلاح وإراقة الدماء، مع أنهم يشهدون جميعاً بالوحدانية، وقبلتهم واحدة؟
لتبسيط هذه الظاهرة علينا الإدراك أولاً أن غالبية الجماعات الإسلامية بمختلف مسمياتها منضوية في الأخير تحت مسمى طائفتين لا ثالث لهما (سنة، شيعة)، ومن يظن أو يعتقد أن موجة العنف والتكفير جاءت نتيجة لظهور إحدى الطائفتين، ولنقل مثلاً طائفة الشيعة، فهل معنى ذلك أن الجماعات المنضوية تحت إطار طائفة السنة منسجمة ومتراصة مع بعضها، أم أن غالبية الفوضى من تكفير وإرهاب تشير نحو هذه الجماعات؟!
مع العلم أن الجماعات الشيعية لا تتعدى اثنتين أو ثلاثاً، وجميعها متفقة بغالبية الأصول، ولديها (مراجع وفتوى موحدة)، عكس الجماعات السنية التي تصل لعدة فرق غير محصورة، وكل فرقة أو جماعة تتفرع منها عدة تيارات وألوية، وكل فرقة معها فتوى!
لاحظوا غالبية من ينفذون العمليات الإرهابية في العالم، ويعلنون عن أنفسهم وجماعاتهم بالاسم والصورة، ستلحظون جميعهم ينحدرون من طائفة السنة، وأكبر هذه الجماعات السنية المشهورة بالإرهاب عالمياً هي (القاعدة وداعش)، المضحك أنك ستجد بعض السذج للأسف يرددون أن جماعة داعش شيعية تابعة لإيران! مستدلين بعدم استهداف داعش في عملياتها لأراضٍ إيرانية.. ولو فكروا قليلاً وحكموا بإنصاف وتتبعوا المسألة، لعرفوا أن خلو وجود عمليات إرهابية هناك يكمن في الأساس لعدم تبني أو تشجيع إيران لهذا الفكر نهائياً، أو إتاحة المجال لتمدده وتغلغله بين أوساط المجتمع، أو بناء المراكز والحاضنات له، ولذا لن تجد جنسية إيرانية أو شيعياً واحداً ينتمي للقاعدة وداعش، اللتين تضمان بداخلهما عشرات الجنسيات عربية وأجنبية. والسبب أن بلداننا مهدت وفتحت كل الآفاق لاحتضان الأفكار المتطرفة، وتشجيع مراكزها ومشائخها المعروفين بالسحنة الوهابية، ولا يخفى على أحد ما هي الدولة الكبرى في عصرنا الحاضر المحتضنة لهذا الفكر، لذا ليس غريباً أن يتخرج من بين أوساطنا آلاف الشباب الحاملين هذا النهج، ومن الطبيعي بعد ذلك أن ترتد آثاره السلبية نحو الداخل، فتعاني بلداننا مرارتهم، وليس الفكر الوهابي وليد هذا العصر، بل هو امتداد لمدرسة قديمة أنتجت العديد من التصورات والآراء والمؤلفات، وتوارثها الكثير.
لسنا بصدد الفرز والمقارنة بين طائفتين (سنة وشيعة)، مع تأكيدنا على وجود الكثير من الأخطاء التي تحتاج لمراجعة وتصحيح من كلا الطائفتين، نحاول فقط الاتجاه نحو التفتيش عن الأخطاء الكبيرة التي يعانيها واقعنا حالياً، لنكتشف ولو بعض أسبابها والمخرج منها.
بلا شك أن جذور البداية التاريخية لسريان الفكر المنحرف بين المسلمين، كما أشرنا، تداعياته قديمة، نشأ منذ فترة ما بعد وفاة رسول الله، وخصوصاً من قبل من أسلم (بعد الفتح)! لحاجة في نفوسهم، وقد ظهرت نواياهم بعد ذلك حين تمكنوا من الحكم بعد طول تخطيط وترصد! ثم القيام بمواجهة ونفي وقتل الكثير ممن عارض نهجهم ووقف أمامهم من الصحابة الكبار وآل بيت رسول الله الأطهار.

أترك تعليقاً

التعليقات