ثورة بلا رأس!
 

نجيب القرن

الـ11 من فبراير يأخذك كل عام نحو الاحتفاء والوقوف أمام إحدى أعظم الثورات السلمية في العالم، والتي نجحت بطي سجل أكبر طغاة منطقة الشرق الأوسط يومها المسمى شرطي أمريكا، والذي ظل جاثماً على صدر الشعب الإيراني لأكثر من 3 عقود من الزمن.
ثورة إيران ضد الملك الشاه محمد رضا بهلوي حبيب العرب وصهرهم آنذاك، عدها بعض المحللين إحدى أعظم الثورات العالمية، والتي قد تتفوق ببعض أهدافها ومجرياتها على الثورة الفرنسية.
من المعلوم أن الثورة الإيرانية كانت سلمية، وواجه الشعب الثائر حينها أعتى الآلات الحربية وفوهات المدافع والمجنزرات بأكاليل الزهور في شوارع العاصمة طهران والمدن الأخرى. ما يفوق الـ50 ألف إيراني قتلوا خلال أيام قليلة أثناء مواجهة الجيش الذي حاول قمعهم، ثم استسلم بعد ذلك أمام تعالي مد الوقع الثوري المتصاعد دون تراجع لتنمحي صورة الطاغية وآثار عمالته لأمريكا، وإلى الأبد.
ما نريد استلهامه من شباط وتلك الثورة الناجحة والمكتملة، هو مسألة أهمية وضرورة وجود رأس الثورة، أقصد بروز القائد الموجه لها، والذي تتفاعل معه قاعدة الجماهير المؤيدة له، وليس شرطاً أن تكون كل أعداد الشعب مؤيدة، وليس ذلك من المعقول أصلاً.
امتلاك عنصر القائد الموجه يأتي في مقدمة وضمان نجاح الثورات الحقيقية.. ولعل المتتبع لأحداث بعض الثورات القوية في العالم، سيجد أن وراء كل ثورة قائداً محنكاً وقيادات أخرى تعمل بجانبه كالفريق الواحد.
تأملوا مثلاً الثورة الصينية الشهيرة، وكذا الثورة البلشفية الروسية، من تصدر واجهتها؟ فتشوا عن سر نجاح ثورة الملح الهندية، ألم يكن المهاتما غاندي هو الرأس؟ وعن ثورة جنوب أفريقيا ضد العنصرية، ألم يتصدر وقعها نيلسون منديلا؟
عن ثورة إيران كان الملهم والقائد فيها هو الإمام الخميني (رحمه الله)، والحديث عن مسيرته وبسالته وغربته وتضحياته ثم عودته منتصراً يطول الوقوف بنا لتناول ذلك.
تاريخ الـ11 من فبراير يأخذنا داخلياً لتناول ما تسمى الثورة الشعبية أو الشبابية، والتي جاءت مجاراة وتقليداً لمسمى ربيع الثورات يومها.. حول رؤيتي الشخصية لها نستطيع القول بأنها كانت ثورة صوتية لا غير، وطبعاً أدرك البعض منا في ما بعد أنه مهما بلغ هدير الصوت والشعارات والهتافات دون وجود رأس حقيقي يتصدر تلك المجاميع، ويجعلها تتماهى وتتفاعل معه ثورياً، ولو كانت أعدادها تقاس بالملايين، فإنها لا تعدو أن تتحول غثاء سيل أو زبداً رابياً، ما بالك إذا كانت تلك المجاميع التي نزلت بعفوية تصدرها أو وقعت تحت تأثير ذَنَب وليس رأس حقيقي، بالأصح تخطفتها يد أذناب عميلة لا تحلم سوى بأنصاف الحلول، ولا تتمنى غير التسويات السياسية وضمان بضعة مقاعد حكومية لا غير!
فهل هذا المشهد يمكن بعد ذلك تسميته ثورة؟!
لقد اندفعنا يومها بكل مشاعرنا، وهتفنا ضد النظام بكل أصواتنا، حتى إننا فقدنا مرات ومرات حبالنا الصوتية، وكادت أن تتقطع من الحماس. لم نكن ندرك يومها، أو ربما تهنا عن أهمية معنى بروز القائد الدينامو في المقدمة، لم ندرك ذلك نتيجة لثقافات ترسبت مسبقاً لسنوات، وتصديق نظرية (المجتمع القائد)، ومن هذا القبيل، لنغدو بعد ذلك أشبه بالقطيع الشارد الذي يطوف ويذرع الشوارع والأزقة لشهور، ثم يعود ليأوي داخل ساحة وخيمة يتيمة.
لم ترتقِ هذه الظاهرة لمعنى الثورة الحقيقية، وما كان لها أن تصل لتصبح معنىً ثورياً خالصاً حين اتجهت مهرولة، وتقزمت وتفتتت إلى نقاط يحملها قوادون، وليس قادة، بين أروقة بلاط قصر الملك وسفرته الطويلة. لقد تقربوا بنحر أحلام الشباب، فتخلقت بشكل مبادرة خليجية في نهاية المطاف.
الظاهرة الصوتية المسماة مجازاً الثورة الشبابية، والتي افتقرت للرأس كلياً، غدت جثة محنطة، خاصة مع تصدر جماعة المحنطين وكهول الأحزاب المعتقين لحملها، وفي مقدمتهم جميعاً بالتأكيد عجوز الأراضي الجنرال علي محسن، رجل المملكة والمخلِص الأول لتثبيت وصايتها على البلد.

أترك تعليقاً

التعليقات