استعمار مزدوج لفلسطين
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

ما حدث في فلسطين عام 1918 كان نوعاً جديداً من الاستعمار، هو «الاستعمار المزدوج»، إذ إن بريطانيا لم تجلب مستوطنيها (كما حال الاستعمار في "العالم الجديد") إلى فلسطين، بل جلبت اليهود لشغل هذه الأرض. وأنها حين جلبتهم، لم تجلبهم من أجل حق توراتي، ولا من أجل أي هراء عاطفي، ذلك أن اللورد بلفور كان هو ذاته من صاغ قانون منع الأجانب من دخول إنجلترا عام 1905، والذي هُندِس لمنع اليهود من دخولها.
أما الهدف من وراء جلبهم إلى فلسطين، فكان من أجل حمل "رسالة المدنية الغربية إلى الشرق المتخلف"، عوضاً عن المستوطنين البيض، فكتب آرثر جيمس بلفور «أن اليهود لم يكونوا تماماً أنكلو ـ ساكسوناً بيضاً، إلا أنهم لايزالون مع ذلك بيضاً وقريبين مظهراً بصورة كافيةٍ لكي يؤتمنوا على رسالة حماية المصالح» الإمبريالية في «الشرق الأجنبي».
إذن، كيف يمكن تصور هذه الرسالة المدنية الغربية التي سيكون اليهود قناتها نحو «آسيا البدائية»؟
يجيب هيرتزل في مشروعه عن «الدولة الصهيونية»، بأن اليهود القادمين من أوروبا سيكونون جسراً واصلاً بين عالمٍ عقلاني ونَشِط وصناعي، وبين عالم كسول وفاسد وغير أخلاقي ومكبّلٍ بعاداته، ويتابع هيرتزل عن أثر هذا الجسر في محيطه الجديد، بأنه سينشّط المعدمين في ما وراء حدود الدولة الصهيونية بتوفير العمل لهم في «بلاد العبور»، وسيزيد المال الصهيوني عافية الفئة من «الأفندية» أو النواطير عموماً التي تتطابق مصالحها مع مصالح الصهاينة القادمين.
لذلك، فإن كل من آمن بالعصا الصناعية الغربية، التي سوف توقظ هذا الجسد من رُقاده، قد آمن بحتمية وجود هذه العصا (على شكل إسرائيل)، ولم يتحرّج أبداً من وجودها، من الشريف حسين الذي دعا العرب لاستقبال اليهود من عادة الضيافة العربية، مروراً بفيصل الذي رأى أن وجود هذه العصا الغربية مقبولاً ما لم تغيّر عربية فلسطين، والقوم أبناء القوم...

أترك تعليقاً

التعليقات