كارلوس شهاب

كارلوس شهاب / لا ميديا -
عام 1929 يكتب العراقي هادي كاشف الغطاء فتوى -من مدينته على هضبة في ظهر الكوفة- بالجهاد نصرةً لانتفاضة البُراق في القدس. عام 1935 يستشهد السوري عز الدين القسام في أحراج يعبد في جنين. بعدها بـ13 عاما يعبر الليبي محمد حسن عريبي الصحراء وحقول الألغام التي خلفتها الحرب الأوروبية العالمية الثانية ويصل إلى فلسطين مدافعاً عنها ومجاهداً فيها. وفي الفترة الزمنية ذاتها التي وصل فيها عريبي، كان السوري قاوقجي يهاجم بأعنف الهجمات مستعمرة الشجرة، واستشهد المصري أحمد عبدالعزيز تاركاً ثلمة كبرى في نفوس من قاتلوا معه، بينما ارتقى السوداني أحمد أزرق الخاطر على ثرى الشيخ جراح ومعه محمود سعيد باعباد من الضفة الأخرى للبحر الأحمر، اليمن.
بين هذه الأسماء هنالك مئات الأسماء العربية؛ عراقيين ومصريين وسوريين ولبنانيين ويمنيين وأردنيين ومغاربة وجزائريين... خطوا بدمائهم تلك الملحمة التي لم تكن متكافئة بكل المقاييس، لا من حيث داعميهم (ملكيات عميلة وجيوش هزيلة)، ولا من حيث ما يواجهونه من ترسانات إمبراطورية وُضعت تحت تصرف هذه القاعدة العسكرية.
ما بعد النكبة تبدو مرحلة جزر، لكن منذ انطلاق الكفاح المسلح في الستينيات وحتى انتفاضة الأقصى 2002 نقرأ عن اللبناني خليل عز الدين الجمل، وسمير القنطار، والعراقية هناء الشيباني، وياسين الموازني، والتونسي ميلود بن ناجح النومة، والسوري خالد أكر، والكويتي فوزي المجادي، والبحريني مزاحم بن عبد الحميد شتر، والأردنية تيريزا هلسا، والجزائري محمد بوضياء...
قدّم هؤلاء -وغيرهم الآلاف- ما قدموه لا على سبيل التضامن الإنساني ولا المجاملات العابرة للقُطرية، بل قدموه إيماناً -ولو كان بدائياً- بأن المخفر الصهيوني يستهدفهم جميعاً، وإن كان يستهدف العربي الفلسطيني بالإبادة العنفية فإنه يستهدفهم بالإبادة بمفهومها الواسع، من خلال توفير سبل تدمير الجماعة اقتصادياً.
في زمننا الرديء هذا، الذي عزّ فيه الوصول لرحاب تلك الأراضي، يتم القتال من أجل فلسطين بما هي ساحة الفعل التنفيذي الإمبريالي، كلّ من مكانه، كل عبوة تنفجر في أطراف العراق على الاحتلال هي من أجل فلسطين، كل تحرك في الجنوب اللبناني أو على مشارف الجولان هو من أجل فلسطين، كل صاروخ يُطلق من اليمن هو من أجل فلسطين، كل فعل يقوض الهيمنة ولو مقدار أنملة في شرق الوطن أو غربه هو من أجل فلسطين.
إذا كان ما حدث مؤخرا في فلسطين المحتلة قد أعاد ترتيب الهوية العربية الفلسطينية بين جنين واللد وغزة بعد 70 عاماً من الفصل والعزل والتفتيت، فإنه أعاد ترتيب هويتنا جميعاً، والتي فقدناها منذ قرن، ونبهنا إلى أننا نعمل جميعاً من أجل فلسطين، من أجل إزالة الكيان المسخ بما هو نكبة، نكبتنا جميعاً. نعم، القدس اليوم أقرب، وفلسطين كلها.

 كاتب وباحث عراقي

أترك تعليقاً

التعليقات