كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

النفط العراقي، منذ اكتشافه عام 1927 وتوزيع رقع الاستكشاف بين الشركات الغربية وبداية تصديره عام 1934، مثّل عصب الاقتصاد العراقي وقاطرته التي تجر بقية القطاعات الاقتصادية. وبالرغم من النكسات الحادة التي تعرض لها هذا القطاع في الحرب العراقية ـ الإيرانية، ثم ما تلاها باحتلال الكويت عام 1991 وفرض الحصار على العراق، لكن نكسة الاحتلال الأمريكي عام 2003 كانت هي الضربة القاضية.
بعيداً عن القصف الذي طال القطاع النفطي في ذلك الوقت، فإن الاحتلال الأمريكي منذ دخوله نهب وفتح باب النهب للمنشآت النفطية؛ حيث تم نهب مقرات شركات نفط الشمال ونفط الجنوب ومركز الحبيبية لعمليات الاستكشاف، والعديد من محطات الضخ وعزل الغاز والكابسات وأجهزة الحفر ووسائط نقل النفط والمخازن. وقّدر خبراء النفط أن التدمير الأمريكي (من قصف التسيعنيات والعقوبات والنهب الأخير) لقطاع النفط العراقي سيكلف إعادة تأهيله 500 مليار دولار.
مع حلّ الاحتلال الأمريكي لجميع الوزارات العراقية، قام بالإبقاء على وزارة النفط، وكذلك بتهيئة صناعة النفط العراقية وأرباحها لكي تعمل كشركة نفط أمريكية لها مدير تنفيذي وفريق إداري يدعمها موظفون أمريكيون، ويكون الجميع مسؤولين أمام مجلس مستشار متعدد الجنسيات، ترأسه فيليب جي كارول مدير عام لشركة شل للبترول وشركة فلور الهندسية. تم استبدال كارول في أكتوبر عام 2004 بـ"بوب ماكي" من شركة كونكو فيلبس الأمريكية. وفي آذار/ مارس من نفس العام، حلّ مايكل سنتنسون من نفس الشركة في رئاسة المجلس.
عملت سلطات الاحتلال على دعم وعمليات التصدير بهدف توفير الإيرادات التي تحتاجها الحكومة والاقتصاد، ولكن وزارات الحكومة كان يُديرها فعلياً منسقو سلطات التحالف المؤقت الذين تم تسميتهم "مستشارون"، وبحسب التقرير (30) للمجموعة الدولية للأزمات (الشرق الأوسط) بتاريخ 2 أيلول عام 2004، فإن كبار موظفي الوزارات لم يكن لديهم أي علم حول كمية وكيفية وإدارة عائدات النفط بسبب سطوة منسقي الاحتلال.
تحت سلطة المجلس الاستشاري للاحتلال الأمريكي، فشلت وزارة النفط في كل الخطط التي كانت مدرجة سنة 2005؛ فلم تستطع الوزارة لا شراء فرق زلزالية ولا حفر الآبار المتفق عليها ولا بناء قواعد وتسييج الآبار، ولم تنجز مشاريع إعادة بناء منشآت التصدير في الجنوب، ولم يتم المباشرة بإنشاء أنبوب تصدير (48) عقداً للموانئ العميقة، كل هذا فشلت به وزارة النفط تحت سلطة المجلس الاستشاري، بالرغم من أنها دفعت مئات ملايين الدولارات من أجل الإنجاز.
الأكثر من هذا، أن صندوق تنمية العراق الذي أنشأه الاحتلال الأمريكي عبر الحكومة الانتقالية لم يقدم أي معطيات حقيقية عن إيرادات وصرفيات هذا الصندوق. كما أنه ومن خلال برنامج "النفط مقابل الغذاء"، نهبت منظمة الأمم المتحدة مئات ملايين الدولارات كرشاوى، ناهيك عن برنامج "إعادة إعمار العراق" من خلال أموال النفط، وكيف أعطي الاحتلال الأمريكي حصة الأسد من العقود للشركات الأمريكية والتي استلمت قيمة العقود قبل أن تطأ أقدامها الأرض حتى.
أظنني في كل هذا لم أذكر اسماً إيرانياً أو شركة إيرانية واحدة في حديثي. 
فإذا لم تهمكم دماؤكم التي أراقها الأمريكي منذ العام 2003 إلى حرب داعش، فاذكروا له هذا النهب والتدمير المنظم لعصب اقتصادكم. إذا كنتم تتعامون عن أمريكا اليوم ولا ترونها في تحليلاتكم ولا يظهر لكم سوى إيران، اذكروا أساس المشكلة منذ أكثر من عقد، اذكروا هذا الماضي القريب.
(*) كاتب وباحث عراقي

أترك تعليقاً

التعليقات