كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

أغلبنا قد سمع عن العقود السخية التي تبرمها الشركات الرياضية، من أمثال (Nike) الأمريكية و(Adidas) الألمانية و(Repak) الهولندية، مع اللاعبين والفرق الرياضية. عقود تتجاوز مئات الملايين من أجل ارتداء منتجاتها من القمصان إلى الأحذية. فعلى سبيل المثال ترتبط شركة (Adidas) بعقد مع نادي ريال مدريد الإسباني بقيمة تصب في خزائنه 150 مليون يورو سنوياً، في حين يرتبط فريق برشلونة الإسباني بقيمة 155 مليون يورو سنوياً. ولكي تهيمن (Nike) وأخواتها على الأسواق العالمية وتغرقها بالمنتجات التي توفر لها سيولة هذه العقود الجنونية فيجب عليها أن تمتص الموارد الطبيعية والطاقات البشرية في العالم الثالث. إنه وجه من أقبح وجوه النهب، وهو النهب بلعبة الفقراء الشعبية.
في مدينة تانجيرانج التي تقع خارج العاصمة الإندونيسية جاكارتا أقامت (Nike) الأمريكية مصانعها ضمن غطاء «النهضة الآسيوية» التي رعتها أمريكا في آسيا منذ ستينيات القرن الماضي في هذه المنطقة في آسيا كقاعدة لمواجهة الشيوعية وكبقرة حلوب تدر ملايين الدولارات من كل الموارد التي يمتصها الغربي. 
بنت (Nike) مساكن للعمال كانت عبارة عن صناديق إسمنتية بطول 9×9 وأقدام ليس فيها أية أثاث، كما لا تحتوي أي أجهزة تهوية في منطقة استوائية بالغة الحرارة. الأرض غير مستوية من الإسمنت وليس لديك غطاء سوى أوارق الشجر. على جانبي هذا المشروع السكني كانت مصارف مياه الحمامات تجري في نهرين جاذبة معها كل القذارة والأمراض والحشرات التي يمكن تخيلها. ليس هذا فقط، بل توفر «nike» أجراً يومياً مبلغه 1.25 دولار يومياً، حيث بإمكان العامل الإندونيسي أن يأكل وجبتين في اليوم من الرز والخضار، وإذا أراد أن يستحم بصابون فعليه أن يقلل أكله. كان إذا فقد عامل قارورة الكاز التي يستخدمها للطبخ أو أسرف قليلاً في استعمالها سيجبر على شراء واحدة جديدة، وبالتالي لن يجد شيئاً يطبخه بها.
يجري العمل في شركات (Nike) من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساءً سبعة أيام في الأسبوع، ويعود العامل ليستغرق 40 دقيقة ليغسل ملابسه التي لا يملك غيرها، فلا تفكر وأنت تعمل في (Nike) أن بإمكانك اقتناء غرض كهربائي، فبصرف النظر عن عدم وجود الكهرباء أصلاً فإنك لا تستطيع شراء جهاز راديو.
لا يستطيع العامل الإندونيسي في هذا الشركات الاحتجاج، لأنه بحكم سياسة إعادة التوطين التي انتهجها سوهارتو من خلال نقل سكان المدن المكتظة إلى الجزر النائية في الأرخبيل الذي تتواجد فيه الشركات الغربية، وهي سياسة أمريكية لإبعاد احتمالية ثورة على شخص صعد إلى السلطة بمعونة الـ(C.I.A) على جثة 500 ألف مواطن ومليون شخص في المعتقلات. إضافة لهذه الفائدة فإن العامل في جزيرة نائية ليس لديه أي إمكانية للمناورة، لذلك فإن الشركات الرياضية استنزفت بشكل وحشي كافة الموارد المتاحة، مع حملات مسعورة لتدمير بيئة الجزر من خلال إبادة غابات كاملة.
أما بالنسبة لمسؤولي الشركات الغربية ممن يمتلكون بشرة بيضاء فإن أحياءهم كانت توحي بأنها في كوكب آخر مقارنة بحي العمال، من ناحية الخدمات ودور السينما وأساليب الترفيه التي توفرها الشركات لهم. فـ(Nike) وأخواتها والشركات الأخرى مثل (Tommy Hilfiger) و(Levi's) جميعها تنتهج نظام «جيم كرو» الأمريكي العنصري، الذي بدأ العمل به بعد الحرب الأهلية الأمريكية في مرحلة إعادة إعمار الجنوب، حيث تُخضع المناطق السكنية التابعة لتقسيم عرقي (أحياء عُليا/ راقية للبيض، وأحياء دُنيا للملونين). على ذلك اعتمدت هذه الشركات على أن تكون الأحياء الفقيرة ذات الظروف الجحيمية من نصيب عمال البلد أو مماثليهم من الملونين، بينما الأحياء ذات الأبنية المرفهة والمسابح والسينما لأصحاب البشرة البيضاء. كما أنشأت «أرامكو» حيها السيئ الصيت في الجزيرة العربية: «حي الظهران».

أترك تعليقاً

التعليقات