الـتـرجـمـة كـأداةٍ للـنـهـب
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب-

عام 1992، ركّز ريشار جاكومون على الترجمة، ليس بوصفها أداةً يقوم بها محترف لإيجاد التكافؤ بين النصوص والمفردات والمصطلحات والمعاني، بل بوصفها قناةً استعمارية بين مهيمِن ومهيمَن عليه تضمن المزيد من الإخضاع، وذلك من خلال إرسال موظّفين من البلد المهيمِن ليقوموا بدور الوسيط بين المستعمِرين والمستعمَرين، أو اختيار مجموعة من البلد المُهيمَن عليه لتتعلّم لغة المهيمِن وثقافاته فتكون القناة لنقلها لبلدهم الأم، ليكون الجميع فيه طيّعين ومُنقادين للمهيمِن. إذًا، الترجمة قناةٌ تسير بموازاة التعليم والسيطرة الصريحة على الأسواق والمؤسّسات. 
اختصّ جاكومون بعلاقة الهيمنة بين فرنسا ومصر، ووضع في ضوء هذا أربع أطروحات عامة توضح الترجمة بوصفها أداةً للهيمنة، ويمكن تلخيصها بما يلي:
1 - تترجِم الثقافة المُهيمَن عليها من الثقافة المُهيمِنة أكثر بكثير مما تترجم الثانية من الأولى.
2 - حين تترجِم الثقافة المُهيمِنة أعمالاً أنتجتها الثقافة المهيمَن عليها، يتمّ تصوير هذه الأعمال وتقديمها على أنها صعبة، مستغلقة، باطنية، غامضة، لا يمكن أن يفسّرها سوى فريق صغير من المختصّين (الوسطاء)؛ في حين تترجِم الثقافة المُهيمَن عليها أعمال الثقافة المُهيمِنة لتقدّمها للجمهور العام (يضرب جاكومون هنا مثالاً عن "النصوص الباطنية الغامضة" بأنّه حين ترجم الفرنسي أندريه ميكال إحدى روايات نجيب محفوظ إلى الفرنسية، قام بوضع 45 حاشية، بين صفحات الرواية الـ77، وذلك لفك مغاليق أسرار الشرق باعتباره الوسيط بين عالم المعرفة وعالم الجهل).
3 - لا تترجِم الثقافة المُهيمِنة من أعمال كتّاب الثقافة المهيمَن عليها إلا تلك التي تلائم تصوّرات الثقافة الأولى (مرة أخرى، يضرب جاكومون مثالاً عن نجيب محفوظ والشهرة التي لاقاها في العالم الغربي، ويعزو نجاحه إلى القيم الأوروبّية الحاضرة في كتاباته، والتي تلبّي توقّعات الأوروبي الذي يتطلّع لصورة بانودرامية عن المجتمع المصري).
4- ينزع كتّاب الثقافة المُهيمَن عليها، ممّن يحلمون بأن يقرأهم جمهورٌ واسع، إلى الكتابة من أجل الترجمة إلى اللغة المُهيمِنة؛ ويتطلّب ذلك قدرا من الانصياع للصور النمطية والامتثال لها، حيث إن العلاقات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية هي التي شكّلت المكانة التي تحتلّها اللغتان الفرنسية والإنجليزية، بما تفرضه الكتابة بهما من معرفةٍ عميقةٍ بالثقافة الأدبية الغربية، ومن امتثالٍ للصور الاستشراقية والمركزية الغربية، وكلّ ذلك لكي يُدرجوا ضمن التوقّعات والأعراف والمعاييير والأجناس الإنجليزية والفرنسية.

أترك تعليقاً

التعليقات