مأزق الجهل بالواقع
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب *

منذ بداية الحراك العراقي أوضحنا أن الحراك الذي يعبر عن مكون وليس "شعب"، وليس لديه قيادة واضحة يفرزها. الحراك نفسه هو بالضرورة محكوم عليه بالفشل، وإن هذا الحراك حتى وإن قرّت عينه على مكان لنقل "النظام الفاسد" -الفساد لحاله بحاجة لتفصيل كبير- فإن يده تضرب في مكان آخر، ليس لأن الجماهير كتلة مصمتة من العملاء، بل إن الحراكات المجهولة في واقع الهيمنة والتبعية (سفارات تتحكم، وضخ أموال من خمسين ألف منظمة غير حكومية، ناهيك عن قوى سياسية تستفيد من فوضى الحراك للتحرك) محكوم عليه بأنه يكون مُحَرّكاً خارجياً لتفجير الاجتماع. إزاء هذا التوضيح انتفخت عروق بعض الشباب والشيبة من هذا الطرح، ولكي يخرجوا من مأزق التأييد اللامشروط للـ"جماهير" جاؤوا بشعارات تقول "لا لأمريكا، لا لإيران، لا لتركيا...الخ"، فوقعوا في مأزق الجهل بالواقع.
لا أود الخوض في خلفيات كتابة هذا الشعار حتى لا ندخل في تفاصيل جارحة ومحبطة. التحرير يا سادة لا ينطلق من منطلقات رغبوية، بل ينطلق من الواقع والوضع الدولي العالمي والقوى المادية التي يمكن الاعتماد عليها، فعندما نقول إن التحالف مع إيران لطرد أمريكا، فـ"التحالف مع إيران" لا نضعه لأننا نهوى الصلاة على عباءة علي خامنئي، ولا لأننا نحب أكلة الـ"چلو كباب" ولا لأننا نطرب على صوت "كوكوش"؛ بل لأن إيران بخندقها الحالي تمثل فرصة تاريخية للعراق ولبقية الجماعات العربية كانت معدومة لحركة التحرر العربية في الخمسينيات والستينيات عندما كانت إيران شرطي أمريكا في الخليج. لذلك رفع شعار "لا" لقوى إقليمية بالإمكان الاعتماد عليها -على فرض إن هذا الشعار المعطوب سينتقل للواقع- فإنه يضرنا ولا يضر هذه القوى الإقليمية. لينين، بما هو العدو الأول للرأسمالية الغربية التي لم تدخر جهداً لشيطنته، طلب من شيوعيي القفقاس -في رسائل في التكتيك- بأن يستفيدوا من الوضع العالمي والأوروبي لعام 1921 وأن يستفيدوا من الامتيازات والتبادلات التجارية مع الغرب الرأسمالي لتطوير الواقع "الذي يخدم إقامة الاشتراكية" وألا يفتحوا الثغرة التي فتحها البلاشفة الروس، ذلك أن لينين رجل نافذ البصيرة ينطلق من الواقع.
لذلك، الشعار عندما يرفع لـ"رفع العتب" وعلى قياس "كلن يعني كلن" من دون أي إمكانية لتحققه في الواقع، فهو شعار يعبر عن بؤس نظرة رافعه التي تثير الشفقة.
(*) كاتب وباحث عراقي

أترك تعليقاً

التعليقات