عن إمام ورئيس 2-2
 

محمد ناجي أحمد

تحقق في عهد الإمام يحيى استقلال اليمن من الغزو التركي، وتكوين اليمن ولملمة ألويته وقضواته ونواحيه بإصرار ومثابرة استمرت حتى منتصف الثلاثينيات، مؤسساً بذلك المملكة المتوكلية اليمنية، ومستمراً في مطالبته باستعادة عدن والمحميات الشرقية والغربية من براثن الاستعمار البريطاني.
وتحقق في عهد صالح تشكيل مؤتمر شعبي، لم يكن تعبيراً عن تعددية حزبية وسياسية، وإنما إطار جبهوي يضم منابر ولاؤها للنظام، وبميثاق صيغ في سياق مواجهة الماركسية في الجنوب، بمحتوى عقدي إخواني.
وكانت الوحدة اليمنية في عهده، والحرب التي أحدثت شرخاً في جدارها من فعله وشركائه، ومن فعل المحيط الإقليمي الذي شجع على الانفصال..
سعى الإمام يحيى إلى جعل الإمامة ملكاً توريثياً، وكان وقتها متسقاً مع طبيعة الأنظمة في الوطن العربي، وكذلك سعى صالح للتوريث، وكلاهما كان التوريث وبالاً استعدى عليهما شركاءهما في الحكم!
سقط الأول شهيداً برصاص رشاشات الجيش والقبائل، وسقط الثاني من الرئاسة بصدور ورماح شركائه الذين استقووا بالشارع لإسقاطه.
أغرت السعودية (الأحرار اليمنيين) على التخلص من الإمام يحيى، واعدة إياهم بالدعم والمساندة، وحين اغتالوه كان رد الملك عبد العزيز لوفد إمام حركة ١٧ فبراير ١٩٤٨م: (لم نتفق على قتل الشيبة).
ومع الرئيس صالح كان لأمراء السعودية دور في مخطط اغتياله داخل مسجده في ٢٠١١م، وبتنفيذ من تمردوا عليه ونزلوا للساحات من شركائه في الحكم.
وفي ديسمبر ٢٠١٧م كان وعدها له بالمساندة لو انقلب على حلفائه. فاستجاب لها، ودعا للنفير العام ضد أنصار الله، واصفاً إياهم بأنهم (ضد الجمهورية والوحدة والديمقراطية)، وما إن فعل حتى عجز تحالف العدوان الأمريكي السعودي عن مساعدته، تاركاً إياه يتلقى رصاصة الرحمة كحصان شاخ ووهنت قواه، ولم يعد يملك سوى ذاكرة يلوِّح بها في وجوههم! 
أراد تحالف العدوان الأمريكي السعودي أن يتخذ من مقتل صالح قميص عثمان لتحريض جماهير المؤتمر بانتفاضة ضد أنصار الله، لكن رهانهم فشل، بتفكيك أنصار الله لمخطط الانقلاب، وحصر إجراءاتهم الأمنية بمن شاركوا في الانقلاب ضدهم، وعملوا على تطمين جمهور المؤتمر باستمرار الشراكة في بناء الدولة ومواجهة العدوان.
لم يكن الإمام يحيى دموياً، إذا أسقطنا من أذهاننا متخيلات وسرديات الخصوم، الذين زعموا أنه كان يطلق الوحوش من أقفاصها لقتل من يعارضه!
وكذلك يمكن وصف صالح بأنه لم يكن ميالاً لسفك الدماء إلاَّ ما كان منها مطلباً إقليمياً/ غربياً، كتصفية الحمدي، وإعدام الناصريين بعد حركتهم الانقلابية التي كان يعرف خططها وتحركاتها، فتركهم يقعون تحت مخالبه، مستمراً في إخفاء جثامينهم، وحاملاً مكان دفنهم معه إلى الدار الآخرة.
كانت تصفية مرحلة الحمدي كقيادة ومنحى ومشروع وحركة شعبية تعاونية، مطلباً أمريكياً سعودياً، وكانت تصفيته للقادة اليساريين، سواء من قيادات الجبهة الوطنية بعد المصالحة بداية الثمانينيات، أو تصفيته للمئات من قادة الحزب الاشتراكي طيلة سنوات ٩٠-٩٣م، مطلباً غربياً.
وكذلك الشأن في حروبه الست في صعدة ضد أنصار الله.
لكنه كان بطبعه ميالاً للحلول الوسطية والتوافقية.
لم يكن الرئيس علي عبد الله صالح يملك ويحكم كما هو الشأن في الخليج، وإنما كان يدير شراكة مع رؤوس الثعابين.
إنها حكاية رئيس وإمام نقتضبها على أمل الكتابة مرة أخرى...

أترك تعليقاً

التعليقات