الكرار المراني

الكرار المراني / لا ميديا -
بعد ثماني سنوات من العدوان السعودي البربري على اليمن، سفير المملكة السعودية محمد آل جابر، مع وفد سعودي رسمي، في صنعاء، برفقة الوساطة العُمانية التي تلعب دوراً هاماً ومحورياً في عمليات التفاوض والحوار والتهدئة بين صنعاء والرياض مُنذ أكثر من عام.
إن زيارة الوفد السعودي لصنعاء ليست الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة؛ إلا أنها اكتسبت أهميتها في أنها الزيارة الرسمية الأولى المعلنة بين المملكة السعودية والجمهورية اليمنية منذ شنت الرياض حربها العدوانية على اليمن في آذار/ مارس 2015.
وكما يقال في المثل الشعبي المشهور: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي»، يبدو أن القيادة السعودية فهمت أخيراً أن الاستمرار في عدوانها الهمجي غير المبرر حماقة كبيرة، ولن يجلب لها إلا المزيد من الخسائر المادية والمعنوية.
فما لم تستطع الرياض تحقيقه في ثمانية أعوام، لن تحققه في عام أو عامين؛ لأن عمليات تصعيدها خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حربها العدوانية كانت نتائجها عكسية عليها على امتداد جبهات القتال من ميدي إلى نهم والجوف وكتاف والبيضاء، حيث تحولت نتائج تصعيدها إلى عمليات كبرى للجيش اليمني، كـ»نصر من الله»، و»البنيان المرصوص»، لتتكلل تلك العمليات اليمنية المعاكسة بالظفر والنجاح، وحررت خلالها القوات المسلحة اليمنية مئات الكيلومترات، واغتنمت مئات المدرعات والمجنزرات العسكرية المتنوعة، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأسلحة النوعية والثقيلة، وأسر الآلاف من الجنود والضباط من جنسيات متعددة كانت تلقي بهم القيادة العسكرية السعودية في محارق الموت اليمنية في محاولات متكررة منها لتحقيق تقدم أو اختراق عسكري هنا أو هناك؛ لكن ما كانت تجني الرياض من وراء تلك العمليات سوى المزيد من الهزائم والإخفاقات الميدانية وتزايد خسائرها البشرية والمادية.
ومن خلال هذه التجربة العملية القاسية للسعودية في المستنقع اليمني الذي تورطت فيه، يمكن القول إن قادة النظام السعودي وصلوا إلى قناعة تامة أن يمن 21 أيلول اليوم غير يمن الأمس الضعيف المرتهن لها، الذي راهنت على إرجاعه من خلال عدوانها الإجرامي لإعادته تحت عباءتها للتحكم بحكامه وبقراره السيادي. إلا أن كل رهاناتها المتغطرسة سقطت إلى غير رجعة، وذهبت أدراج الرياح، فلم يعد أمام المملكة اليوم إلا الرضوخ والنزول من على الشجرة، لذلك قبلت مرغمة بالتفاوض مع الطرف الوطني والممثل الحقيقي للجمهورية اليمنية وشعبها، والتقى سفيرها آل جابر بالرئيس مهدي المشاط في القصر الجمهوري في قلب العاصمة صنعاء.
إلا أن هذه الخطوة السعودية المتقدمة، ورغم أهميتها في الدفع للوصول إلى اتفاق سياسي يوقف العدوان والحصار ويجبر الضرر ويحقق السلام بين البلدين، لم ترقْ للحليف الاستراتيجي للمملكة: الولايات المتحدة الأمريكية، التي يتضح من خلال تصريحات مسؤوليها انزعاجها من التقارب والتفاهم بين الرياض وصنعاء تحت المظلة العُمانية.
وفي الأخير نأمل أن تكون الخطوات السعودية المعلنة وغير المعلنة عن قناعة راسخة لديها بأن اليمن اليوم أصبح يمتلك قراره السيادي والسياسي، ولم يعد حديقة خلفية لأحد، ولن يكون ساحة صراع لتصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة في المنطقة والإقليم، وأن يمن اليوم ينطلق في علاقته مع محيطه العربي والإسلامي والعالم أجمع من موقع الندية والمصالح المشتركة، ولا يمانع في بناء علاقات استراتيجية قائمة على الندية والمصالح المشتركة مع أي دولة في العالم، باستثناء الكيان الصهيوني، ملتزماً بموقفه الثابت والمبدئي بالوقوف إلى جانب القضايا العادلة للأمة العربية والإسلامية ومسانداً لها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وداعماً ومسانداً لحركات المقاومة ومحورها في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب حتى تحرير فلسطين.

أترك تعليقاً

التعليقات