الكرار المراني

الكرار المراني / لا ميديا -

خمس سنوات من العدوان الظالم على الشعب اليمني الصامد كانت كفيلة بأن يعيد الكيان السعودي وقادته حساباتهم بعد الإخفاق الكبير والفشل الذريع في تحقيق أهدافهم المشؤومة بتفتيت البلد إلى كنتونات متصارعة تضمن لهم تحقيق أحلامهم الوردية بعودة اليمن إلى بيت الطاعة السعودي، وهذا هو المستحيل بعينه. 
لكن النظام السعودي أصر على المقامرة ومواصلة مغامرته المتهورة في استمرار حربه العدوانية، لذلك تحرك اليمنيون لمواجهة هذا الخطر القادم من نجد الذي أحرق الحرث والنسل وحول حياة 30 مليون إنسان إلى جحيم، فمن لم يقتل بالغارات الجوية والأسلحة المحرمة دولياً سيقتل بالأوبئة البيولوجية التي ينشرها وتسببها أسلحته الخطيرة، وتبقى بعد ذلك معرضاً للموت بسبب الحصار الجائر براً وبحراً وجواً المفروض على اليمنيين. 
بعد ذلك كان هناك خياران لا ثالث لهما أمام أبناء الشعب اليمني: إما المواجهة مع عدم التكافؤ في الإمكانيات المادية ومواصلة النضال حتى فرض الاستقرار واستقلال القرار السيادي الوطني، وإما الاستسلام والخنوع للغزاة والطامعين، من شذاذ الآفاق في عواصم الدويلات الخليجية حتى سيدهم في البيت الأبيض بواشنطن. لذلك اتخذ اليمانيون قرارهم منذ اليوم الأول للعدوان في 26 مارس 2015 بالمواجهة مهما كانت التحديات والمخاطر. 
عندها بدأ الأحرار والشرفاء من أبناء القبائل اليمنية في كافة أنحاء الجمهورية اليمنية بالإعداد والتجهيز للتصدي للمعتدين، وإسناد البواسل من مجاهدي الجيش واللجان الشعبية، تحت قيادة قائد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذي أثبت جدارته وحنكته ودهاءه في إدارة المعركة حتى وصلت إلى التطورات الكبيرة الحاصلة اليوم، والتي غيرت المعادلة من الدفاع إلى الهجوم، لتفرض قواعد اشتباك جديدة كلمة الفصل فيها للجانب اليمني.
منذ الطلقة الأولى في الرد على قوى العدوان اتخذت القيادة اليمنية استراتيجية عسكرية وقتالية مختلفة عن تلك التي تعتمدها الجيوش في الحروب، وهو ما أكسبها قوة وثباتاً، ومكنها من الصمود والتأقلم مع كل الظروف وامتصاص الضربات والضغوطات وتحويلها إلى وسائل ضاغطة على تحالف العدوان ومرتزقتهم، ودأبت على اعتماد سياسة الهجوم المباغت والكر والفر حسب الظروف ومعطيات المعركة في الواقع العملي. مع تلك السياسة الذكية في إدارة المعركة كانت هناك خطى حثيثة في التطوير والتصنيع والاهتمام بالتصنيع العسكري وصقل القدرات وفق خطى ثابتة ومدروسة تواكب المرحلة، بدأت بإدخال المنظومات الصاروخية قصيرة المدى وتفعيلها في مسرح العمليات والعمل على تطويرها خلال الثلاث السنوات الماضية من عمر الحرب العدوانية.
وبعد أن حققت الصناعات العسكرية قفزة نوعية في إنتاج وتطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من حيث القوة التدميرية والمدى البعيد، دخلت الحرب العدوانية منعطفاً خطيراً أحرز فيه الجانب اليمني تفوقاً عسكرياً وعملياتياً واستخبارياً، وبدا ذلك من خلال البدء في عمليات توازن الردع، حيث شنت القوات المسلحة اليمنية عملية توازن الردع الأولى في التاسع من رمضان بـ10 طائرات مسيرة على حقل ومصفاة الشيبة النفطيين جنوب شرق السعودية، حيث يعتبر الحقل من أهم الحقول النفطية السعودية وينتج نفطاً خاماً خفيفاً، ويوصف بأنه منجم ذهب يتجاوز إنتاجه مليون برميل يوميا بمتوسط دخل يومي يبلغ 50 مليون دولار. كما أن في العملية رسالة هامة أرسلتها اليمن إلى دويلة الإمارات التي لا يبعد عنها هدف العملية الأولى سوى 10 كيلومترات من حدود إمارة أبوظبي.
لكن النظامين السعودي والإماراتي لم يستوعبا الدرس، مما حدا بالقوات اليمنية إلى إعادة الرسالة؛ ولكن هذه المرة أشد وأقوى وأخطر، حيث شنت عملية توازن الردع الثانية في سبتمبر الماضي على قلب السعودية النابض وركيزة عصب الاقتصاد السعودي، حيث تم استهدافُ مصافي بقيق وخريص النفطية بـ10 طائرات مسيرة في المنطقة الشرقية شرق السعودية. وتعتبر هذه المصافي هي الأكبر في العالم، ولذلك كان لضربها أهمية استراتيجية كبرى وأبعاد سياسية واقتصادية شديدة الخطورة، وهو ما تجلى في تبعات العملية، من حيث الخسائر الفادحة في الجانب المادي والمعنوي، من خلال إيقاف نصف صادرات النفط السعودي بما يعادل 5 ملايين برميل في اليوم الواحد، وانعكاس ذلك على سمعة الشركة النفطية الكبرى (أرامكو) التي كانت قد وضعت أسهمها للتداول، وهو ما عرضها لخسارة أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار. كل تلك التطورات والقوة التي فرضها الجانب اليمني كانت جديرة بأن يتعقل حكام السعودية وفي مقدمتهم بن سلمان، ويعيدوا التفكير من منظور المصلحة والتعامل مع الواقع بجدية بعيداً عن العنجهية والتكبر والغرور.
لكن ذلك لم يحدث، وواصل المعتدون عدوانهم متناسين ما تعرضوا له من خسائر كبيرة في العدة والعتاد والسمعة على مستوى العالم، وما يحصد مرتزقتهم من خيبات وهزائم متلاحقة. على الجانب الآخر كانت وحدات القوة الصاروخية والطيران المسير يعدون العدة لإطلاق عملية جديدة ضمن إطار عمليات توازن الردع يدرسون فيها أهمية الهدف والتوقيت ومجريات المعركة، لذلك جاءت عملية توازن الردع الثالثة فجر الجمعة قبل الماضي، والتي نفذت بـ12 طائرة مسيرة من نوع "صماد 3" مع صاروخين مجنحين من طراز "قدس" وآخر باليستي من طراز "ذو الفقار" تم إزاحة الستار والكشف عنه بعد العملية، استهدفت شركة أرامكو وأهدافا حساسة أخرى في ينبع، وأصابت أهدافها بدقة عالية.
إن معادلة توازن الردع تمثل تحولاً استراتيجياً في مجرى الحرب الظالمة على اليمن فرضت فيها صنعاء قوة الإرادة وعظمة التفوق العسكري، مما يجعل الاستمرار في العدوان يعني تلقي المزيد من الخسائر والهزائم التي ستضاف إلى سجل الفشل الذريع لتحالف العدوان ومرتزقته خلال الـ5 السنوات من عمر الحرب.
وتكشف تطورات المواجهة مدى هشاشة وترهل العدو السعودي من حيث انسداد أفق المعركة أمامه، فما الذي فعله في مقابل عمليات توازن الردع الثلاث؟! لا شيء سوى أنه كلما استمر في عدوانه وحصاره أخفق في تحقيق طموحاته الاستعمارية وتعرض للمزيد من الاستهداف والخطر. 
اليوم لم يعد أمام النظامين السعودي والإماراتي إلا إيقاف عدوانهما الوحشي إذا أرادا النجاة والخروج بما تبقى من ماء الوجه المهدر في الساحة اليمنية. لكن القرار ليس بيدهم، بل بيد أحمق البيت الأبيض، ولن يوقف العدوان إلا من المنصة التي أعلن من عليها بدؤه، لذلك إن أردتم حماية مماليككم ودويلاتكم فعليكم أن تصارحوا سيدكم بأنكم فشلتم في حربكم الهمجية، وأن تدفعوا له المزيد من الأموال، وهذه أقرب الطرق لإخراجكم من ورطة اليمن التي ستبقى لعنة تطاردكم حتى سقوط عروشكم ودولكم الكرتونية حتى قيام الساعة، فلن تنسى الأجيال القادمة جرائمكم وعدوانكم، وستقتص بطريقتها الخاصة، وإن غداً لناظريه قريب.

أترك تعليقاً

التعليقات