الكرار المراني

الكرار المراني / لا ميديا -

"الخطاب القرآني يتجدد دائما يقول للناس: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (الحديد: من الآية 16). ألم يأن، يعني: "ما قدو وقت" (بتعبيرنا نحن) ما قدو وقت أن الناس تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق من القرآن الكريم؟ {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (الحديد: من الآية 16)، تخويف من أن يصير الناس إلى ما صار إليه بنو إسرائيل، الذين طال عليهم الأمد يسمعون مواعظ، ويقرؤون كتباً، ولكن ببرودة لا يتفاعلون معها، وتتكرر المواعظ وتتكرر النبوات، وهكذا، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} حتى فسق أكثرهم، وحتى استبدل الله بهم غيرهم، وحتى جردهم من كل ما كان قد منحهم إياه: النبوة، وراثة الكتاب، الملك، الحكمة...".
إن الكلام السابق للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، المؤسس لحركة أنصار الله، يكشف عظمة المشروع القرآني الذي كان يحمله، وذلك يبرز بوضوح من خلال طرح الخطاب القرآني الذي قدمه للأمة وللشعب اليمني بشكل خاص لإخراجهم من الواقع المأساوي الذي فرضته قوى الاستكبار العالمي (أمريكا و"إسرائيل")، وكل ذلك لن يحصل إلا بالرجوع إلى الله، وأخذ الدروس والعبر مما جرى مع بني إسرائيل، وتحذيرنا من أن نصير إلى ما صاروا إليه.
من هنا تفرد السيد حسين عن كل الدعاة والمصلحين، حيث اعتمد على شد الناس والمجتمع إلى الله وربطهم به، وهذا الأمر انعكس إيجاباً على المسيرة القرآنية، لأنه عقب استشهاد السيد حسين في الحرب الأولى في مران، لم تتوقف المسيرة ولا أتباعها، وكان هناك خط واضح يجب الاستمرار والسير عليه، وهو ما أكمله السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
كان السيد حسين يولى أهمية القيادة وترسيخ مفاهيمها للمجتمع، لأنه لا يمكن النجاح بدون القيادة الموحدة والحكيمة التي تحرك الأمة ويكون الجميع تحت لوائها، وله هنا كلام جميل حول ذلك يقول: "القيادة مشروع متكامل؛ لأن من مقومات الوحدة بشكل صحيح ماذا؟ منهج وقيادة، هل يمكن نتصور أمة يقال توحدت ولا يكون توحدها على أساس منهج وقيادة؟! معروف حتى قَبَلياًّ يكتبون "قاعدة"، يعني ماذا؟ منهج، أليست هكذا؟ ويختارون شخصاً كبيراً لهم، معناه ماذا؟ قيادة. الله يضع المنهج، يختار هو المنهج ويختار هو القيادة التي ماذا؟ تتحرك على أساس ذلك المنهج وتهدي بذلك المنهج ويلزم الكل بأن يسيروا على هذا المنهج ويتبعوا تلك القيادة. هنا تتم المسألة، تبدأ بدائرة وقابلة للتوسع، وهو أفضل مشروع وحدوي، فعلاً، أفضل مشروع وأرقى مشروع وحدوي، وقلنا في كلام سابق إن الطريقة هذه هي أضمن لوحدة المسلمين على اختلاف طوائفهم؛ لأنه إذا كان المسلمون الآن مجمل ما لديهم يتعصبون لمسائل، فالطريقة هذه التي قدمت على يد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، أنزل عليه القرآن واختِير هو نبي، وعندما تحرك والتفّت حوله دائرة، أصبح في الأخير ماذا؟ العربي من القبيلة الفلانية ومن القبيلة الأخرى ومن أي منطقة تركوا آلهة يعبدونها، أليست مسألة آلهة يعبدونها أرقى من مسائل فقهية في تعصبك لها وفي إنشدادك لها، تركوا آلهة واجتمعوا هناك".
لذلك كان لهذا الطرح الواعي والمسؤول أثره في تحريك كل أطياف المجتمع بمختلف مشاربهم الفكرية والثقافية والسياسية، لأن الشهيد القائد اعتمد خطاباً قرآنياً يوحد لا يفرق، مستعيناً بالشواهد التاريخية، لذلك كان لتحركه العملي تلك الأهمية الكبرى، التي جعلت قوى الشر والطغيان تتربص به وتستهدفه، لما كان يحمل من هم وإحساس بالمسؤولية تجاه الأمة واستنهاضها وإخراجها من حالة السكوت والجمود للقيام بمسؤولياتها في إصلاح واقعها المخزي. 
عندها كان السيد قد استكمل مشروعه القرآني، وتبلورت صورته المشرقة من خلال الدروس والمحاضرات التي كان يلقيها على طلابه وزواره ومريديه، والتي من خلالها وضع أسس ومبادئ تحركه العملي، وفق توجه قرآني صريح وواضح يعالج واقع الأمة. 
وجاءت عظمة المشروع القرآني من خلال شخصية القيادة التي كان يمثلها الشهيد القائد وما يتمتع به من فهم للأحداث وربطها ببعض، والرؤية لها من خلال القرآن، كان لهذا البعد والنظرة الثاقبة للمؤسس وقعها على الناس، في فهم عظمة شخصيته، التي لم يختلف عليها اثنان. علاوة على كل ذلك، كان يتمتع السيد حسين بالبساطة والإحسان للآخرين، واشتهر بكرمه وسخائه في العطاء، وتحليه بدماثة الأخلاق. وكل ذلك لم يكن غريباً على شخصية بحجمه. لروحه الخلود والرضوان في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

أترك تعليقاً

التعليقات