الولاية من وجهة نظر قرآنية
 

الكرار المراني

الكرار المراني / لا ميديا -

"وَاللهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا؟!"
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
إن إنساناً بهذا المستوى الراقي من العدالة يعد أسطورة تاريخية، كيف لا وهو القائل: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها لأن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير، ما فعلت"، إنه أعلى مستوى من العدل الذي جسده الإمام علي في ولايته عندما تولى خلافة الأمة.
لذلك كان أول قرار له بعد التولي للخلافة آنذاك عزل معاوية الذي كان يومها والياً على بلاد الشام، لما كان يمثله من ظلم واستبداد وطغيان، لكن بعض المقربين من الإمام نصحوه بأن يبقي على معاوية حتى يستتب له الأمر، عندها يعزله، لكن كان موقف الإمام علي هو الرفض محاججا لهم بقول الله تعالى: "وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"، لذلك أصدر قرار عزل معاوية.
كان الإمام علي (عليه السلام) ينظر إلى السلطة من زاوية أخرى، حيث يقول: "والله إن خلافتكم عندي لا تساوي عفطة عنز إذا لم أقم حقا وأبطل باطلا"، فلم يكن عاشقا للسلطة، بل كان عاشقا للعدالة والمساواة، لذلك تفردت شخصية الإمام علي بهذا الذوبان في الحق والعدالة، وإنكار الذات، وهو الذي قال فيه الرسول الأعظم صلوات ربي عليه وعلى آله: "ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين"، وقال أيضاً: "قام الإسلام على سيف علي، ومال خديجة"، يا للعظمة.
كان الإمام علي لا يهمه سوى إحقاق الحق وإقامة العدل وهداية الأمة وخدمتها، لذلك لم يخض كل حروبه مع القاصدين والمارقين والماكثين للمحافظة على ولايته وسلطته، بل لإرساء قواعد العدل وقواعد الدين المحمدي الأصيل، وقد قال له المصطفي صلوات الله عليه وعلى آله: "ستقاتل يا علي على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله"، فكان الإمام علي لا تأخذه في الله لومه لائم في دين الله حتى في أقرب المقربين إليه، وخير شاهد على ذلك قصته مع أخيه عقيل بعد توليه الخلافة حين أتاه إلى بيت المال يريد مالاً غير الذي له كأي فرد من المسلمين، لذلك أوقد الإمام قطعة حديد ثم مد عقيل يده ووضعها في يده.
إن سيرة الإمام علي شاهدة على عظمة المشروع الذي كان يحمله لإخراج الأمة من واقعها بعد موت الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم. كان العدل العلوي يمثل قمة العدالة الإنسانية عبر التاريخ، وهو ما لم يرق لبعض الطامعين في السلطة، لذلك افتعلوا المشاكل وأشعلوا الفتن والحروب على الإمام علي، عندها ظهرت عظمة الإمام علي مجددا في التعامل مع خصمه الذي منع على معسكره الماء، لكن عندما سيطر جيشه على الماء سمح الإمام لجيش عدوه بالشرب ولم يمنع عنهم الماء، كما أن من قيمه العظيمة التي كان يلزم جيشه ومقاتليه بها، هي ألا يقتلوا فارا ولا مدبرا ولا جريحا، وقد قال قائد جيشه مالك الأشتر: "لقد علمني علي أن أقاتل عدوي ولا أحقد عليه"، هذه هي المدرسة العلوية التي تتحلى بالقيم العظيمة والأخلاق الفاضلة.
اليوم نحن في أمس الحاجة لأن يتمثل حكامنا بأخلاق وقيم ومبادئ الإمام علي، وأن يكونوا قدوة للسير على نهجه القويم، وأن يكون عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر دستور حكم لمن يدعي موالاة علي، ويجسد ذلك في أفعاله قبل الأقوال.

أترك تعليقاً

التعليقات