غزة هاشم تحتاج أم المؤمنين خديجة
 

عبدالرحمن العابد

عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
في شِعب أبي طالب، واجه بنو هاشم والمسلمون الأوائل ثلاث سنوات من الحصار الخانق، قاطعهم فيها كفار قريش اجتماعياً واقتصادياً حتى الجوع.
بلغ بهم الحال أن أكلوا أوراق الشجر، وامتصّ بعضهم جلود الحيوانات اليابسة بعد غليها بالماء، حتى سُمع بكاء أطفالهم من خلف جدران الشِّعب، ولم تسلم من الجوع حتى أرحام الأمهات، حتى فُكّ الحصار بمعجزة من الله حين أكلت الأرضة وثيقة الظلم فلم تُبقِ فيها إلا اسم الله.
أما اليوم، فغزة هاشم تعيش حصاراً أعنف، وأكثر فتكاً، في زمن يدّعي التقدم والتمدن. أطفال غزة أكلوا أوراق الشجر، وأكل بعضهم التراب.
رأينا الناس ينتظرون الطحين على المعابر فيُقصفون، ومن يركضون خلف شاحنة إغاثة يُقتَلون، ومن يبكون جوعاً في مخيمات النزوح دون أن يجدوا حتى قطرة ماء.
مات الكثير من أطفال غزة جوعاً، وآخرون ماتوا أجنة في بطون الأمهات.
والمفارقة أن ما كان يُبكي المشركين في مكة من صراخ الأطفال، لا يُحرّك اليوم ضمير «العالم الحرّ» الذي لا يهتز لمشهد طفل يحتضر فوق كيس طحين أو يدفن في حفر جماعية تحت الركام.
في الجاهلية الأولى، كانت الكراهية صريحة، والحصار واضح الهدف. أما الجاهلية المعاصرة، فمموّهة بمواثيق، ومغلفة بلغة «الردع» و»الدفاع عن النفس»؛ لكنها أكثر عرياً، وأكثر خسة. الفرق أن الأدوات تغيرت؛ لكن المنهج الجاهلي في استهداف أهل الحق والرسالة لم يتغير.
وإن كان الحصار في شِعب أبي طالب قد انقلب خجلاً على أصحابه، فإن حصار غزة سيكتب نهايته بنفسه. فكما كانت الأرَضة في مكة جنداً من جنود الله، فإن وعي الشعوب اليوم هو الأرَضة الجديدة التي ستأكل وثائق التطبيع التي أدت إلى الصمت والخنوع.
في ذلك الزمن، حين ضاقت مكة على أهل الحق، لم تكن أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) مجرد زوجة نبي، بل عموداً اقتصادياً لدعوة لم يكن لها من سندٍ إلا إيمانها ومالها.
كانت تُخرج قافلتها وحدها، بينما قريش كلها تخرج بقافلة واحدة. وحين فُرض الحصار على النبي (ص) والمسلمين في شِعب أبي طالب، لم تتردد في إنفاق كل ما تملك، حتى أصبحت تستقبل الطعام المهرّب إلى داخل الشعب -لا لنفسها فقط، بل للمُحاصَرين جميعاً- بمالها، عبر ابن أخيها حكيم بن حزام.
أنفقت أم المؤمنين خديجة حتى لم تُبقِ لنفسها شيئاً، وماتت بعد ذلك في عام الحزن، ولم يكن هناك مال يكفي حتى لشراء كفنٍ يليق بمكانتها.
واليوم، في غزة، آلاف الأطفال والنساء يموتون جوعاً وعطشاً، ولم يجدوا «خديجةً» أخرى تنفق من مالها، ولا «حكيماً» كي يشتري لهم الطعام، ولا «أبا البختري» يدفع عنهم الظلم!
في الجاهلية الأولى، كان هناك من يهرّب إليهم الماء سراً. وفي الجاهلية المعاصرة، يُقصف من يحاول أن يُقدّم لهم شربة ماء.
الفرق أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها كانت امرأة في زمن بلا مؤتمرات، ولا بنوك، ولا حسابات بملايين الدولارات، ومع ذلك أنقذت الدعوة بمالها. واليوم، نعيش زمن التريليونات والمليارات؛ لكن غزة متروكة تموت جوعاً، وأموال الأمة محبوسة خلف مصالح وسياسات وخوف.

أترك تعليقاً

التعليقات