عبدالرحمن العابد

عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
ما يجري اليوم في بلادنا مرتبط بشكل وثيق بما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر، التي أخفقت في تحقيق مشروعها الحضاري وفشلت في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود.
يعود ذلك جزئياً إلى غياب مشروع وطني قادر على تجاوز التركيبة الاجتماعية السائدة قبل الثورة، حيث رفضت الشخصيات القبلية فكرة التغيير ووجود دولة قوية، وساهمت الحزبية برعونة في إشعال الصراع تحت مبرر القضاء على القبلية والرجعية، لتصبح عبئاً إضافياً كبيراً على إمكانية بناء الدولة، وساهم رموزها في جلب وصايات خارجية جديدة لتتدخل في الشأن اليمني.
كانت الانتهازية الحزبية والقبلية وراء الأزمات التي واجهت الثورة في الشمال والجنوب، بينما استغلت الأطماع الخارجية التناقضات بين الأطراف لتحقيق مصالحها، وشهدت مرحلة ما بعد الثورة صراعات داخلية بين الملكيين والجمهوريين، مع انقسامات داخلية إضافية داخلهما.
كما تداخلت الصراعات الداخلية مع تدخلات خارجية، حيث لعبت القوى الإقليمية والدولية دوراً في تأجيج هذه النزاعات.
كما لعب تنافس القطبين (الاتحاد السوفييتي وأمريكا والغرب) دوراً في تجريف الإرادة الوطنية والقومية في اليمن.
واجهت الثورة اليمنية تحديات داخلية وخارجية معقدة، ففي عدن تبنت الجبهة القومية خيار الماركسية بعد التخلص من شركائها في جبهة التحرير القومي. بينما كانت السعودية قد استلمت ملف صنعاء ببيعة متفق عليها مع مصر، وأصبحت تخوض معركة ضد الناصريين بدعم من السعودية، بالإضافة إلى دعم البعث من العراق والحركات اليسارية من الجنوب.
وقع اليمن الجمهوري منذ لحظاته الأولى في مصيدة الوصاية الخارجية، حيث توزع النفوذ الإقليمي بين مصر والسعودية بدايةً، ثم دخل العراق على الخط، بينما كان التدخل الدولي يتوزع بين أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبحت أمريكا هي الحاكم الفعلي للبلد، وبات سفيرها أشبه بالحاكم العسكري، خصوصاً بعد سقوط العراق في احتلالها؛ ولكن دون وجود معركة حقيقية.
واستمرت التجاذبات والتدخلات تتزايد يوماً بعد يوم، إلى أن وصل الأمر لإضافة تدخل دول لم يكن أحد يتوقع أن تتدخل يوما في الشأن اليمني، مثل قطر والإمارات، وحتى وصل الأمر إلى وجود تدخل "إسرائيلي" مباشر، بعد أن كان تدخلاً بالوكالة عبر السفارة الأمريكية.
لم يتحرر اليمن من الوصاية الخارجية طوال عمره الجمهوري إلا بعد ثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014، فقد تمكنت الثورة الفتية من تدمير كافة مراكز النفوذ المرتبطة بالخارج، كما قطعت يد الخارج نفسه الذي كان سبباً في تدمير البلاد لعقود طويلة، مما أعاق قدرتها على النهوض بمشروعها الوطني بعيداً عن الإملاءات الخارجية.
كما تخلصت ثورة 21 أيلول إلى حد كبير من الصراعات الحزبية والضغوط القبلية، مما ساعدها على تحقيق استقرار نسبي في المناطق التي تقع ضمن سلطتها، رغم عدم استقرار الأوضاع تماماً حتى الآن.
هذا الاستقلال ساهم في تعزيز الهوية الوطنية ورسم مسار جديد نحو بناء دولة قوية ذات سيادة تبدو ملامحها ماثلة للعيان اليوم.

أترك تعليقاً

التعليقات