الثورية وتسوياتها (1-2)
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا -

"أخطانا أولا في أننا آمنا إلى الرجعية وخدعنا بالرجعية" (جمال عبد الناصر، من خطاب له للشباب العربي، 12 أكتوبر 1961م).
وفقا لعوامل سقوط ثورات 1840 و1848م في فرنسا، والتي أرجعها ماركس إلى تكالب الأنظمة الأوروبية عليها، فمن المستحيل تحرير البروليتاريا في فرنسا دون تحريرها في إنجلترا وألمانيا. وفقاً لهذا الاستنتاج فإن سقوط انتفاضة 11 فبراير 2011م، الذي كان سببه التفاف وتآمر مشيخات الخليج عليها، فإن نجاح الثورة في اليمن يقتضي قيام ثورات في الخليج، فقيام ثورة في اليمن دون محيطه الخليجي يؤدي إلى استطالة أمد الكفاح، وذلك يقتضي أن يظل السلاح بأيدي المستضعفين، وتلك ميزة تميز بها حزب الله منذ أن أعلن مؤسس "حركة المحرومين"، موسى الصدر، في مهرجان أقيم في مدينة بعلبك في 17 مارس 1974م، "أهمية الجهاد والكفاح لإقرار حقوق المحرومين، وأطلق عبارته الشهيرة: "السلاح زينة الرجال"، وهي العبارة التي نشرتها صحف بيروت في عناوين صفحاتها الأولى، وخاصة صحيفة "النهار" التي كان صاحبها الأرثوذكسي غسان تويني من المتحمسين لمشروع الصدر (يوسف الشويري: بين النص والهامش – دراسة في التاريخ والقومية والدين، رياض الريس للكتب والنشر، 1988م، ص 198).
في كتابها "أمريكا –الوجه الآخر" (الطبعة الثانية، 1991م) ترى ليلى أبو زيد أن أمريكا تشن حروبها باستخدام مجلس الأمن وقراراته، مظلة لكل عدوان. وفي رأيي أن هذه السمة البارزة في العدوان والاحتلال على اليمن يؤكد أننا أمام احتلال أمريكي، لا يمكن له أن يتراجع عن أهدافه إلاّ بحرب طويلة المدى تستنزفه وأدواته، أو أن تكون هناك تسوية عادلة مبنية على السيادة والوحدة اليمنية. فما يحدث في اليمن وعلى اليمن ليست حربا كالحروب المتعارف عليها بين أطراف متكافئة، وإنما هي جريمة ضد الإنسانية، ومجازر ترتكب بشكل يومي ضد شعب أعزل. طرف يملك البر والبر والبحر، ويقصف على مدار الساعة تجمعات السكان، وطرف يقدم الدماء تلو الدماء حتى لا يركع لأهداف العدوان والاحتلال. 
أمريكا وأدواتها في المنطقة يشبهون مسيحيي الـ"كوك لوكس كلان"، الذين يغتالون السود ثم يذهبون إلى الكنيسة للصلاة والبكاء عليهم!
حرب أمريكا في اليمن لا تشبه غيرها من الحروب الاستعمارية. إنها حرب متعددة الجنسيات، تسوقهم أمريكا لتحقيق أهدافها في المنطقة العربية ووسط آسيا. 
نقيض الثورية هي التسويات الاستسلامية، فدعوة البعض إلى التسوية باشتراطه جاهزية الطرف الآخر من معادلة الصراع، هي من وجهة نظري وهن وانكسار لمسار ثوري، من خلال الانحراف إلى مسار التسليم وإن بلافتة اسمها التسوية. فكل تسوية لا تشمل استحقاقات المستضعفين، وتحسين أوضاع الناس، والتمسك بثوابت الوطنية اليمنية، تُعدُّ في حسابات الصراع بلهاً إن أحسنا الظن، وخيانة إن وصَّفْنا الأشياء بحقيقتها..
في تقديمه لكتاب ريجي دوبريه "دفاعا عن الثورية" ترجمة: نزيه حكيم، منشورات الآداب، بيروت، 1982م) يؤكد جان بول سارتر أن الحكومات الطبقية تسود بانتهاج سياسة التفريق، وتعرف بالتالي أن اليسار -إذ تتيح له تمثيلاً شكلياً في المجلس أو العمل السياسي–سيكبح هو نفسه نضال عصابات الكفاح (ص8).
ما يقوله (دوبريه) في كتابه آنف الذكر، بحسب مقدمة جان بول سارتر، أن على قوى الكفاح الشعبي المسلح أن تضع هي بنفسها سياساتها، أي لا تكون تابعة للأحزاب السياسية، ولا يكون للأحزاب ناطق سياسي باسم قوى الكفاح المسلح، بل تتكون قوى الكفاح المسلح من رجال هم في الوقت نفسه مقاتلون وسياسيون، فلا ينبغي أن تكون هناك سلطتان سياسية ومسلحة، بل سلطة واحدة. 
حركة أنصار الله بدأت مسارها المسلح بسلطة واحدة، تنطلق من ميادين الصراع المسلح، لكن البعض أصبح يميل بها نحو فرض مسار سياسي يمثله السياسيون، ومسار مسلح. 
فالناطق الرسمي لحركة أنصار الله لم يعد ناطقا لقوى السلاح، وإنما تعبيراً عن مسار سياسي محكوم بالتسويات الحزبية، وهو مسار يعمل على إلجام الكفاح المسلح ضد قوى الاحتلال. 
ما تحتاجه حركة أنصار الله هو أن تستمد نظريتها الثورية من واقع الكفاح المسلح ضد العدوان والاحتلال، منطلقة من ثوابت الوطنية اليمنية الجامعة، فكما يقول (دوبريه) في كتابه آنف الذكر: "الناجع ليس نقيض النظري، بل نقيض التناقض بين النظر والممارسة".
أنا لا أخطِّئ المسار السياسي والوصول من خلاله إلى ما هو ممكن ثوري، بل إنني أخطِّئ فصل السياسي عن تفاعلات ميادين المواجهة مع العدوان والاحتلال، فهذا الفصل سيفقد الحركة كل عناصر قوتها، وقدرتها على توجيه مسار الصراع، أي أن تكون الحقيقة الثورية في وجه الأكاذيب الرجعية وقوى الاستعمار. 
فالسياسة الثورية هي أن تجمع بين فن الممكن و"إرادة الشعب" و"الموت في سبيل الوطن". بهذا يكون مفهوم السياسة متوازناً وعملياً ومنجزاً. 
يقول ريجي دوبريه في كتابه سابق الذكر، في سياق دفاعه في المحكمة التي تحاكمه بسبب انخراطه كصحفي ومفكر ثوري في بوليفيا عام 1967م أثناء قيادة تشي جيفارا لحرب العصابات ضد النظام الرجعي هناك، والمسنود بالولايات المتحدة الأمريكية ومخابراتها: "إن كل محارب كان يحمل في حقيبته كتابين أو ثلاثة، لأنه لا ينبغي للثائر أن يدع يوماً يفوته دون مطالعة" (ص69).
يعرِّف (دوبريه) حرب العصابات بأنها تنظيم سري لفئات مسلحة تنظيمياً "يولد وينمو في الخفاء" وفيه "يحمل المقاتلون أنفسهم أسماء مستعارة"، وأن هذه الفئات المسلحة تنشأ في المناطق الريفية "فتظل مختفية في البداية لا تظهر إلاّ في المكان والزمان اللذين اختارهما قائدهما"، وتنظم في الوقت نفسه فئات أخرى في المدن، تعاونها على صعيد التجسس والخيانة والإرهاب والإضراب والتخريب وغير ذلك، وهدفها المباشر كسب الوسط الجغرافي والإنساني بكل الوسائل الممكنة، أحيانا بالإقناع "عن طريق الدعاة الذين يستطيعون الامتزاج بالسكان كما يفعل السمك في الماء".
يتم العمل التنظيمي "وفقاً لثلاث قواعد ذهبية: اليقظة المستمرة، وسوء الظن المستمر، والتحرك المستمر". أما بعد ذلك، بعد أن يتحقق هدفها بالامتداد عمقا وانتشارا، فعلى المقاومة المسلحة أن تتحول إلى "حرب شعبية شاملة"، وأن تحطم نظام التمثيل الديمقراطي، وتصفي مؤسساته، وأخيرا أن تنتهي من آخر المدافعين عن هذه المؤسسات بمحاكمات شكلية سريعة أمام محاكم شعبية (ص115).
بحسب كتاب دوبريه (دفاعا عن الثورية) إذا حدث انقسام داخل الجيش فلا يمكن الرهان عليه ليقضي على نفسه، فهو بوصفه جيشا للطبقة المسيطرة سيعمل على إعادة إنتاج حكم الطبقة المسيطرة، ولهذا يرى دوبريه ضرورة انبعاث جيش شعبي من تراكم النضال الثوري أو ما سماه "العصابات المسلحة".
في التربية الثورية ليس المهم العملية المسلحة ذاتها فقط، "بل هو بالقدر ذاته –وقبل العملية وبعدها– الصبر على الجوع والعطش والعياء. وهذا كله أقل بريقا وأمجادا، ولكنه أكثر عمقا واستمرارا إنه نوع من الانضباط الطبقي يحقق وحدة الجيش وتلاحمه" (ص170).

أترك تعليقاً

التعليقات