عن رطانة اسمها (فك الارتباط)
 

محمد ناجي أحمد

(إنه يرى ولا يفهم، إنه يروي ولا يعرف ما تعنيه قصته).
تنطبق مقولة برودون السابقة الذكر على دعاة (فك الارتباط)، فهم يرون واقع التفكك الذي تعاني منه اليمن، ولا يفهمون أن سبب ذلك هو عدم السير فعلياً في طريق تمتين الوحدة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، يرون الاستئثار بالسلطة والثروة، ويحيلون ذلك إلى جغرافية شمالية، لا إلى تسلط طبقة حاكمة، توظف النزوع الجغرافي والمذهبي والطائفي بما يخدم احتكار السلطة في يدها...
إن جزءاً كبيراً من هذه الحرب دافعه تحويل التشظيات إلى سلطة الأمر الواقع، والدفع بالناس إلى كراهية الوحدة، والمطالبة بفك الارتباط، دون أن يعوا أن ما يتوهمونه حلاً هو في حقيقته توسيع وتجذير للحرب الأهلية!
ليس لدى الإخوان المسلمين مانع في أن تصبح الحارات والقرى إمارات، طالما أنها ستكون (داراً للجماعة) في مواجهة (دار الأغيار)، ولهذا وجدنا قياداتهم تتحدث عن العلاقات الودية بين اليمنيين كأشقاء، إذا تم (الانفصال)!
لقد فشل المؤتمر الشعبي العام في جعل الوحدة اليمنية مصيراً مشتركاً، ولهذا تكاثرت العصبويات الثنائية في تضاد لا يصنع تطوراً، وإنما انحلالاً لأمة وشعب ووطن، ومنها مطلع / منزل، وشافعية / زيدية، وسنة / شيعة، وشمال / جنوب، إضافة إلى قحطانية /هاشمية عجزت ثورة سبتمبر عن طمرها، فلم يمضِ سوى أشهر على قيامها حتى انقسم الضباط الأحرار إلى قحطانيين وهاشميين، لهذا كان العنف مصحوباً بعجز الثورات عن إحداث التحولات الوطنية!
لم يعد الاستسهال في فهم القضية اليمنية ببعدها الجهوي، هو طريق العوام، لكننا نجد العديد ممن يحسبون على الطبقة المثقفة يتحدثون بهذه اللغة، وهذه الرؤية المعتمة، والموقف الذي يحمل في داخله العديد من الثنائيات اللامتناهية، في سقوط متعدد القيعان!
في كتابه (أزمة المثقف اليمني)، الصادر عام 1964م، يحدد محمد أحمد نعمان رؤيته للجمهورية والثورة بأنها: لا تعني انتزاع السلطة من السلالة الهاشمية إلى غيرها ممن يسمون (القحطانية)، وإنما تغيير العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فالاستمرار في اعتبار الجمهورية نقيضاً لوجود هاشمي على رأس الدولة، كما هو الحال اليوم، هو في الواقع والمفهوم السياسي للجمهورية اعتبار مغلوط الأساس. وهو إلى (السلطنة) التي لا تشترط هاشمية رئيسها، أقرب منها إلى الجمهورية التي لم يرتبط شكلها أو روحها في بلد ما بتحديد نوع سلالة رئيسها من بين سلالات الشعب! 
هنا نستطيع أن نضيف إلى الشرط السلالي الذي علق عليه محمد أحمد نعمان، اشتراط المنطقة أو الجهة لرئيس الجمهورية... إن العرقية في تحديد شخصية رئيس الدولة منهج في التفكير متخلف ومنغلق، وهو سبب رئيسي للثورة على نظام الإمامة. ولذلك فلا يصح أن يكون الخطأ من الطرف الآخر... إن الثورة الحقة التي تعطي صاحبها حق الإمساك بزمام السلطة، هي الوعي الكامل لحقيقة أسباب تخلف الشعب، والإدراك البصير لسبل الرقي به وتحقيق الوحدة الشعورية بين أبنائه، والقضاء على أوجه البؤس والشقاء الذي يسيطر على حياته، واستعادة كرامته... إن الثورة ليست مجرد غضب الثوار على الأوضاع القديمة التي تستبد بمجتمعهم وتعرقل حركته، وتحول دون انطلاقه (... وإنما الثورة هي علم التغيير الاجتماعي الشامل العميق لصنع حياة جديدة تفي بمطالب الثوار وآمالهم)، كما أشار لها الرئيس جمال عبد الناصر. نعم.. إن الثورة علم: التغيير الاجتماعي.. الشامل.. العميق.. لصنع حياة جديدة.

أترك تعليقاً

التعليقات