محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

يصف عبد الله باذيب تحولات محمد علي لقمان من (الحكم الذاتي) لعدن، إلى اتحادي جنوبي، بأنه تحول من (انفصالي عدني إلى اتحادي جنوبي)، وبمعنى آخر إلى (انفصالي جنوبي)، فهذه التحولات التي تتم بتوجيهات بريطانية هي أكبر عائق (في طريق وحدة اليمن الطبيعية)، ثم يحدد موقفه في وجه هذه الدعوات والتحولات التي تنطلق وفقاً لمصالح الاستعمار وتوجيهاته، قائلاً: (مهما يكن من شيء، فلقد قلناها من قبل باسم شعبنا: لا (عدنية) ولا (جنوبية)، بل شعب واحد ويمن طبيعية. ولا جنوب ولا شمال.. ولا حكم ذاتي.. ولا اتحاد الجنوب.. بل التحرر وحق تقرير المصير من أجل يمن حرة طبيعية واحدة تظللها راية الجمهورية العربية المتحدة) [كتابات مختارة، ج1، ص310].
في هذا المقام الدلالي يأتي مفهوم (حق تقرير المصير)، وهو المفهوم الذي وضحه باذيب في مقال له 
بعنوان (معنى حق تقرير المصير)، شرح فيه هذا المفهوم في سياق رده على سيف الإسلام محمد البدر، حين صرح البدر عام 1957م، أثناء وجوده في لندن، بمنح الشعب في الأجزاء المستعمرة حقه في تقرير مصيره، وقد اعتبرت الصحف المصرية آنذاك هذا التصريح تنازلاً وتساهلاً.
يرى باذيب أن حق تقرير المصير في الأجزاء المستعمرة ليس حكراً عليها فقط، وهو حق للأجزاء المستقلة في اختيار الحكومة التي تحب ونظام الحكم الذي تريد، فبالنسبة له (لا يمكن وضع شعار حق تقرير من جانب الوطنيين بمواجهة مطلب الوحدة أو كبديل عنه، لأن ذلك يتساوى في النتيجة مع فصل قضية التحرر عن قضية الوحدة، وإنما تمسكنا بالوحدة، ومطالبتنا بها هي التي ستأتي لنا بحقنا في التعبير عن آرائنا في جو حُر وبعيداً عن أي نفوذ أجنبي. وكذلك لا يمكن رفع شعار حق تقرير المصير مع الدعوة والإصرار المسبق على كيان مستقل للجنوب في وقت واحد. وإن من يفعل ذلك يناقض نفسه، لأنه قد قرر في الواقع مصير الجنوب مقدماً وحسب هواه) [كتابات مختارة، ج2، ص192].
ولهذا كان شعار الميثاق الوطني لحزب (الاتحاد الشعبي الديمقراطي) الذي أسسه عام 1961م، هو (نحو يمن حر ديمقراطي موحد)، وحددت مقدمة الميثاق أولويات مهام الاتحاد بـ(إنجاز مهمات حركة الشعب اليمني الهادفة إلى التحرر الوطني والوحدة اليمنية والديمقراطية، من أجل الإسهام بقسط في بناء الوحدة العربية الشاملة على أسس صحيحة متحررة) [المرجع السابق، ص182].
ويؤكد على أن الاستعمار عمل ويعمل على إرهاب وترحيل أبناء الشمال، بسبب الدور الذي يقومون به في إفشال طمس الهوية اليمنية والعربية لمدينة عدن، (فهو يعرف جيداً أن هذه الجماهير هي القاعدة الشعبية السياسية التي ترتكز عليها حركتنا العمالية بوجه خاص، وحركتنا الوطنية بوجه عام.. وهي التي تصون وجه عدن العربي الأصيل، وهي التي تضحي وتناضل وتقدم الضحايا والشهداء... وبدونها لا حركة وطنية ولا حرية ولا وحدة ولا شيء على الإطلاق) [الطليعة –العدد الرابع -25 أكتوبر 1959م، كتابات مختارة، الجزء الثاني، ص38]. ويختتم مقال (لا مساومة ولا تراجع) المنشور في (الطليعة) في 29 نوفمبر 1959م، بلازمته التحررية الوحدوية (عاش كفاح شعبنا من أجل التحرر والوحدة اليمنية). 
إن موقف عبد الله باذيب من أصحاب (الحكم الذاتي) والرابطة والاتحاد اليمني، ينطلق من إيمانه التحرري الوحدوي، وضد تواطؤ هذه القوى مع الاستعمار. ففي مقاله (دفاع عن الوحدة اليمنية)، يعري تفكير قيادات الرابطة وخطابهم الانفصالي، فيقول: (من أجل ذلك راحوا يطعنون الوحدة اليمنية ويسمونها (غزواً متوكلياً)، ويطلقون على الجنوب اسم (الجنوب العربي)، وهي تسمية مفتعلة، فيها خداع وزيف، وفيها تعميم متعمد.. وهم يتخذون من هذا التعميم ستاراً لطمس وحجب (يمنية) الجنوب المحتل، وتغطية أهدافهم الانفصالية) [كتابات مختارة، ج2، دار الفارابي، 1978م، ص50].
الوحدة اليمنية لدى باذيب (ليست نزوة مؤقتة أو عاطفة غامضة، ولكنها دعوة وطنية عميقة، يؤكدها منطق التاريخ والمفهوم العلمي للشعب الواحد، وتفرضها الروابط الأصيلة المشتركة وضرورات الكفاح المشترك).. هي انتماء وجودي يكثف دلالاته في خاتمة مقال (دفاع عن الوحدة اليمنية) المنشور في صحيفة (الطليعة) –العدد التاسع، 20 ديسمبر 1959م، بقوله: (وليس هناك شيء اسمه (الجنوب العربي)، وليس هناك يمنان... ولا جنوب ولا شمال، بل يمن واحد وشعب يمني واحد.
عاش كفاح الشعب اليمني من أجل التحرر الوطني والوحدة اليمنية.
عاشت الوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية) [كتابات مختارة، ج2، ص52].
وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، نشر باذيب مقالاً في صحيفة (اليقظة) بتاريخ 10 أكتوبر 1962م، تحدث فيه عن الخطوات الداخلية والخارجية الكفيلة بحماية الثورة واستمراريتها، ومن ذلك دعوته للوقوف بكل حزم ضد كل الذين يريدون حرف مسار الثورة، ودعا إلى تكوين فرق للمقاومة الشعبية في كل قرية ومدينة، لتقف ضد الرجعية والاستعمار، داعياً إلى إطلاق الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية القول والكتابة والتظاهر والإضراب والتنظيم السياسي والنقابي، والاستناد الكامل على الجماهير الشعبية في حماية الجمهورية والأصدقاء الحقيقيين للشعب اليمني في الخارج، والتمهيد لوضع دستور تضعه هيئة تأسيسية منتخبة انتخاباً عاماً حراً مباشراً، تتحول في ما بعد إلى مجلس نيابي تكون الحكومة مسؤولة أمامه، والوقوف بحزم ضد الشركات والبنوك الاحتكارية الأجنبية، وتحقيق التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق النهضة العلمية والفكرية، والقضاء على الأمية، وإلغاء الخطاط والتنافيذ وجميع الأنظمة المجحفة وغير الإنسانية.

أترك تعليقاً

التعليقات