محمد ناجي أحمد

يرى محمد رشيد رضا أن "حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل"، حزب الأستاذ محمد عبده، هو وسط "يجمع ما بين" الاستقلال في فهم فقه الدين وحكم الشرع الإسلامي، وكنه الحضارة الأوروبية، وهذا هو الذي يمكنه إزالة الشقاق من الأمة... إن موقفه الوسط يمكنه من جذب المستعدين لتجديد الأمة من الطرفين.
ويرى مصطفى السباعي أن جماعة "الإخوان المسلمين" وسط ما بين "التقليد والتفرنج"، ما بين من ينشدون حل المشكلات في الحضارة الغربية ومن ينشدونها في الإيمان الغيبي بأن الإسلام هو الحل "وهم بعيدون كل البعد عن تفهم مشكلات المجتمع الإسلامي".
هذا الإسلام الإصلاحي هو الذي عبر عنه حسن الهضيبي في كتابه "الإسلام والداعية"، من خلال رؤيته للمختلف في الدين بقوله إن الإسلام "أباح حرية العبادة، فلغير المسلمين أن يقيموا معابدهم كيفما شاؤوا، وأن يعبدوا الله فيها من غير حرج عليهم في ذلك، وأنه لا يستطيع مسلم أن يحرمهم منها" (محمد جمال باروت: يثرب الجديدة، ص27).
وهي الفكرة التي توسع بها مصطفى السباعي نحو المواطنة، في بحث له بعنوان "دروس في دعوة الإخوان"، حين تحدث عن "الإسلام الدين والإسلام الحضارة"، الإسلام بمفهومه الواسع وفلسفته الشاملة للحياة، وهو في ذلك يلتقي مع طرح ميشيل عفلق في حديث الأخير عن الإسلام الحضاري للأمة العربية، وشعار حزبه عن وحدة الأمة والرسالة الخالدة.
يقول السباعي: "إن فلسفتنا القومية هي الإسلام، لا الإسلام بمفهومه الديني الكنسي، ولا الإسلام بمفهومه العبادي الذي يقتصر على المسلمين فحسب، بل الإسلام بمفهومه الواسع وفلسفته الشاملة للحياة ومبادئه العامة في الأخلاق وتشريعه المدني العالمي... هذه هي فلسفتنا نحن كعرب" (المصدر نفسه، ص 28).
بل إن مصطفى السباعي في "دروس في دعوة الإخوان" بحسب ما ينقله محمد جمال باروت في كتابه آنف الذكر، يرى أن التشريع الإسلامي مدني علماني، يضع القوانين للناس على أساس مصلحتهم وكرامتهم، لا فرق عنده بين أديانهم ولغاتهم وعناصرهم، ويعمل على إيجاد التوازن بينهم كأفراد وجماعات يعيشون في الوطن الواحد. 
وروح الشريعة عند السباعي تتحقق بتحقق مصلحة المجتمع، وهي المصلحة التي يقرها العقلاء والدارسون والشرعيون والاجتماعيون، وتتحقق بتحقق العدالة بين الناس، مهما كلفت العدالة من غرم لبعض الناس، وتتحقق بتحقق التطور الاجتماعي في المجتمع الإنساني (اشتراكية الإسلام، نقلاً عن: محمد جمال باروت: يثرب الجديدة، ص33).

لقد كان توجه سيد قطب في "معالم على الطريق" -نحو "حاكمية" و"جاهلية" أبي الحسن الندوي- ابتعاداً عن النهج الإصلاحي للإخوان المسلمين، الذي تبنى مصطلحات الوطن والعروبة ضمن دوائر الوطنية والعروبة والإسلام في رسائل حسن البنا، وتبنى مشروع الإصلاح الزراعي ونادى به في عهد الملك فاروق، وفي سوريا عام 1949م حين تحالف السباعي مع حزب الشعب وأكرم حوراني بخصوص الإصلاح الزراعي، ثم انحاز له في عهد الجمهورية العربية المتحدة أواخر الخمسينيات.
شتان بين موقف مصطفى السباعي من الدستور والانتخابات وبين موقف فتحي يكن، الذي يرى في "الشورى" بدلالتها الديمقراطية "انحداراً بالفكر الإسلامي وانحرافاً عن حقيقة معنى الشورى في النظام الإسلامي"، وذلك في كتابه "مشكلات الدعوة والداعية".
لقد تشكل وعي تنظيم الضباط الأحرار في مصر في الأربعينيات في إطار تصور الإخوان المسلمين ورؤيتهم للإصلاح الزراعي والمستبد العادل ودوائر الانتماء المصرية والعربية والإسلامية، ولم تكن القطيعة بين "الناصرية" وبين الإخوان المسلمين قطيعة فكرية، ولكنها كانت قطيعة سياسية، بحسب محمد جمال باروت في كتابه آنف الذكر.
صحيح أن "الناصرية" أخذت تتميز فكرياً في الستينيات، وتقترب مما سمي وقتها "الاشتراكية العلمية"، لكن التعبير عن هذه الاشتراكية العلمية في "الميثاق الوطني" لم يبتعد كثيراً عن تصورات مصطفى السباعي في كتابه "اشتراكية الإسلام".
يقول مصطفى السباعي في كتابه آنف الذكر: "إني لا أعتقد أن الاشتراكية موضة ستزول، بل هي نزعة إنسانية تتجلى في تعاليم الأنبياء ومحاولات المصلحين منذ أقدم العصور، وتسعى شعوب العالم الحاضر وخاصة الشعوب المتخلفة إلى تحقيقها للتخلص من فواجع الظلم الاجتماعي والتفاوت الطبقي الفاحش، المزري بكرامة الإنسان" (محمد جمال باروت: يثرب الجديدة، ص113).
 أي أن القطيعة كانت في إطار الصراع على السلطة، وهو ما عبر عنه الناطق الرسمي للتجمع اليمني للإصلاح في اليمن، في تسعينيات القرن العشرين، محمد قحطان، حين قال بأن خلافهم مع الناصريين سياسي وليس عقدياً. 

أترك تعليقاً

التعليقات