محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

ولد عبد الله عبد الرزاق باذيب في الشحر بمحافظة حضرموت، سنة 1931م، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي بمدرسة بازرعة الإسلامية، وتعليمه الثانوي بالمدرسة الحكومية الثانوية بكريتر. إلاَّ أنه لم يكمل السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، فقد اضطرته الظروف المعيشية الصعبة لأسرته أن يترك المدرسة عام 1951م، ليعمل في الصحافة محرراً وسكرتيراً ورئيس تحرير... الخ. لم تكن الصحافة جديدة عليه، فلقد أصدر مجلة (المستقبل) وهو طالب في الصف الأول الثانوي، ومن تصفح أعدادها يلحظ القدرة التحريرية في الإخراج وتوزيع الأبواب وتنوعها. لكن ما يلفت النظر بشكل رئيسي هو انحياز باذيب لقضايا الإنسان منذ كان طالباً يحرر هذه المجلة وعمره آنذاك 19 عاماً أو أقل. نجده حين تم اعتقال عمر سالم طرموم -وكان وقتها سكرتير نادي الشباب اللحجي-
 من قبل السلطات اللحجية، يفرد مقالة بعنوان (من ضحايا الجنوب –عمر سالم طرموم). وبلغة قصصية يحكي للقارئ ما تعرض له طرموم بقوله: (إن الشاب الذي نروي مأساته الآن ليس سجيناً عادياً أو شهيداً عابراً من شهداء ديكتاتورية الجنوب، وضحايا استبداد السلاطين، بل هو روح من أرواح المستقبل، وبذرة في أعماق الجيل الجديد...).
ومن ذات المنطلق الثوري يكتب مقالاً بعنوان (هذا... أو ذاك) في صحيفة (الجنوب العربي) [العدد 114- 1 يناير1957م]، وجهه للشيخ البيحاني، متحدثاً فيه عن الدعوة التي وجهوها للبيحاني كي ينصر القضية الوطنية في خطبه على منبر العسقلاني، لكن الشيخ (ذهب ليهاجمنا من محطة إذاعة حكومة عدن. وهكذا اختلط على الشيخ أمر منبر العسقلاني، وميكرفون الإذاعة الرسمي، ولكن الناس لن يختلط عليهم أمر الشيخ بعد الآن) [مختارات -ج1، ص211]. ويعرض في مقال آخر لاستجابة الشيخ الإسهام في حملة ضد السل، مدفوعة الأجر، ورفضه أن يسهم في مواجهة الاستعمار كأسٍّ لكل داء في الوطن! 
يكتب في صحيفة (النهضة) مقالاً بعنوان (عدن لمن؟) [العدد 255- 16 يونيو 1955م]، يرد فيه على أصحاب شعار (عدن للعدنيين)، منتقداً مطالباتهم بأن تكون الوظائف حكراً على أبناء عدن (عدننة الوظائف)، الموجهة ضد أبناء المحميات والشمال! ويصف مسار دعاة الاتحاد الفيدرالي بأنهم (كمن يريد أن يوحد الجنوب عن طريق تجزئته، وأن يقنع الناس بسلامة المبدأ الاتحادي بواسطة السعي إلى تثبيت الأوضاع الانفصالية القائمة) [كتابات مختارة -ج1- عبد الله باذيب -دار الفارابي- 1978م، ص54]. وينتقد الصحف العدنية التي تتناول أحداث الشمال لا كقضية وطنية وانتماء عضوي لها، بل (كمن ينظر إلى الرجل الغريب القادم من أقاصي الغرب إلى بلد شرقي! وتتخذ من الانقلابات في الشمال كمادة لإثارة القارئ واجتذاب اهتمامه ولترويج أعدادها!).
لم تكن إسهامات باذيب الفكرية والسياسية المتعلقة بثورة سبتمبر، وتوجيهها نحو إنجاز ثورة اجتماعية، هي الإسهامات الوحيدة له، فلقد استمر منذ منتصف الخمسينيات يكتب في صحف النهضة والبعث والجنوب العربي والفجر، والفكر والطليعة واليقظة... الخ، متناولاً حركة 1948م و1955م، وكتب عن حزب الأحرار والاتحاد اليمني ورجالاته. وكان في كل كتاباته ذلك الملتحم بقضايا اليمن واليمنيين، باتقاد السياسي وإيمان الثائر وحكمة المفكر.
صحيح أنه حاكم حركة 1948م بمعيار أنها كانت تغيير إمام بإمام، وأنها صراع داخل بنية الحكم، لا اجتثاث له، وأنه تخلى عن هذا المعيار حين وصف انقلاب 1955م بالثورة، ووصف المقدم أحمد الثلايا بالثوري المتطرف بثوريته منذ وقوفه -بحسب زعمه- مع حركة 1948م، والحقيقة أن الثلايا في حركة 48م كان في صف ولي العهد أحمد قائد مفرزة في حجة، ولم ينحز لجماعة 48م قولاً ولا فعلاً. كان باذيب في كتابته عن انقلاب 1955م مبرراً ومنحازاً لسيف الإسلام عبد الله والثلايا، أكثر منه مدققاً ومتأملاً ومحللاً، لكن باذيب وقتها كان في الـ25 من عمره، بكل ما تعنيه هذه السن من اندفاع وتسرع وميل إلى الجزم وإصدار الأحكام المطلقة. نجد ذلك الحماس والاندفاع والأحكام القطعية في كتاباته في الأعوام 1954-1956م، وتحديداً في الجزء الأول من المختارات التي جمعت في مجلدين عن دار الفارابي، عام 1978م.
ما يهمنا هنا هو تجذر القضية الوطنية اليمنية في كتابات باذيب. 
لاشك أن الوحدة اليمنية في فكر عبد الله باذيب ليست فكرة ساكنة، وإنما متحركة ونامية مع تطور الوعي والصراع الوطني والاجتماعي. فهو بدا مؤمناً بفكرة الجنوب العربي وحق تقرير المصير في إطاره الجنوبي كهوية لها خصوصيتها بحسب وجهة نظر لها أنصارها، ثم أصبحت الوحدة اليمنية لديه هي المصير الحتمي لنضال الشعب اليمني الذي يطلق عليه شعب الجنوب الكبير، لتستقر قناعاته بالوحدة اليمنية للشعب والجغرافيا اليمنية الواحدة في سياق الوحدة العربية، كنضال لوحدة الكادحين وطنياً وعربياً وإنسانياً.
من هنا، فإن من أراد أن يستقرئ مفهوم الوحدة اليمنية في فكر باذيب، فإن عليه أن يتنبه للسياق الزمني وتطوره وصراعاته، لا أن يأخذه ساكناً وجامداً. 
يقدم باذيب صورة واضحة للأحرار اليمنيين، الذين هم بالنسبة له صورة مطابقة ومتكاملة للجمعية العدنية، بتواطؤ واضح مع الاستعمار، والسكوت عنه في نشراتهم! يقول عنهم: (كل الأحرار العرب تمسكوا بتعاليم عبد الناصر وأخلصوا لها، إلاَّ [الأحرار])... (وإذا كان هناك أناس يمكن أن يوصفوا بالتناقض مع أنفسهم فهم هؤلاء [الأحرار]، إن لهم في كل بلد لوناً ومبدأ وسياسة خاصة، هم في مصر يؤيدون الإمام، وهم هنا في عدن وفي هذه الظروف يشنون الحرب على الإمام، وهم في السودان يطبعون كتيباً يهاجمون فيه الإمام ويؤيدونه في آن) [كتابات مختارة –ج1، ص236]. 
بل يعرفهم بطريقة متهكمة قائلاً: (و[الأحرار] هو الاسم الذي يطلق على جماعة من اليمنيين يختلفون في كل شيء، ولا يجمع بينهم إلاَّ شيء واحد هو النقمة على الأوضاع القائمة في اليمن) [كتابات مختارة - ج1، ص 244].
وينتقد مساندتهم لدعاة (الحكم الذاتي)، وروابطهم العضوية مع (الجمعية العدنية) التي ترى أبناء الشمال أجانب في عدن، بل يصف المسؤول الأول في هيئة (الأحرار) بأنه عدو للشعب اليمني قبل أن يكون عدواً للإمام (إنه يبارك الاستعمار... إنه عميل) [المرجع السابق، ص248-249]. وينتقد المواقف والآراء الانفصالية والشعوبية التي يرددها (محمد علي لقمان) في جريدته الناطقة بالإنجليزية (البدن كرونيكل)، وكيف يروج صاحبها لنزعاته الانفصالية. فحين سأله (علي جمالاي) وزير الشؤون الاجتماعية في صوماليا، أثناء زيارة لقمان لمقديشو، عام 1957م: لماذا لا تدعو إلى توحيد عدن والمحميات تحت لواء اليمن؟ فأجاب لقمان: هل يرغب الوزير في أن يعمل على توحيد صوماليا مع إثيوبيا؟) [المرجع السابق، ص250].

أترك تعليقاً

التعليقات