محمد ناجي أحمد

من الطبيعي أن يتواجد المثقفون في كل مكونات الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً، فالمثقفون ليسوا طبقة اجتماعية مستقلة، وإنما هم أفراد ينتمون إلى طبقات اجتماعية، وفقاً لانتماءاتهم ومصالحهم يحددون مواقفهم سواء في انتفاضة 11 فبراير 2011م، أو طيلة حرب الثلاث سنوات (2015-2018م).
يضع المثقف الإيجابي العضوي نفسه في سياق المصلحة الوطنية المتمثلة بوحدة الأرض واستقلال الوطن وسيادته وتنميته، لهذا وجدنا بعض الأدباء والكتاب اختاروا أن يكونوا مع ذواتهم الوطنية ضد العدوان الأمريكي السعودي، من خلال القصيدة و(الزامل) والمقالة والوعي التاريخي بجوهر الصراع؛ فالوعي بالتاريخ ليس سرداً لحكايات فحسب، وإنما موقف نقدي من التاريخ بغرض فهم الحاضر واستشراف المستقبل.
أثبت الإسلام الثوري قدرته على التعبير عن الذات الوطنية والصراع الاجتماعي والاقتصادي، وعن القومية العربية كونها الإطار العروبي الوحدوي في صراعها الوجودي ضد الامبريالية الغربية والصهيونية كأعلى مراحل الامبريالية.
لم يكن أحد يتنبأ بمن في ذلك ماركس وسائر أنبياء الماركسية بمن فيهم لينين، أن الإسلام والقومية يمكن أن تفوق الشيوعية من حيث قدرتها على التعبئة الجماهيرية.
لقد تفوق الخطاب الثقافي المواجه ممثلاً في خطاب الشحن الوطني على العدوان الأمريكي السعودي، وعلى دحر الخطاب الثقافي العرقي والمذهبي والمناطقي والجهوي الذي يتبناه تحالف العدوان والأحزاب التي تسير في ذيله وفقاً لأهدافه، فليس هناك استراتيجية وأهداف مستقلة عن العدوان لهذه الأحزاب. بل إن التجمع اليمني للإصلاح يسير على طريقة وضع الحافر على الحافر، وفقاً لرغبات العدوان، مما انعكس على تآكل قاعدته الاجتماعية، التي امتدت في كل الجغرافيا اليمنية، مستخدمة نفوذها في الثروة والسلطة طيلة العقود الماضية كأساس في تواجده، الذي بات مضمحلاً بفعل اصطفافه ضد الوطنية اليمنية، ومنكمشاً لا يتجاوز بضع حوارٍ وقرى في محافظة تعز!
وليصبح الحزب الاشتراكي الذي ولد ميتاً عام 1979م، مجرد بيدق من بيادق العدوان، يشير مدلوله التاريخي إلى رومانسية ثورية وارتها الأحداث الدامية في 13 يناير 1986م، التي أسقطت قشرة الحداثة والادعاءات الثورية، عارياً بجوهره القبلي والجهوي.
لقد أسهمت رطانة مثقفيه بحرف بوصلة اليسار، حين جعلوا من مشيخات الخليج والإمارات العربية المتحدة نموذجاً للحداثة التي يراهنون عليها في صنع التقدم، كما عبر عنها ذات مقالة الدكتور ياسين سعيد نعمان، حين كان أميناً عاماً للحزب! وهي كما نعلم ليست دولاً ذات سيادة، وإنما إمارات ومشيخات للعائلات الأسرية المتحدة، تديرها وتستنزف ثرواتها شركات متعدية الجنسيات، ولا تتجاوز سلطة أمراء وملوك هذه المشيخات الشراكة في أسهم هذه الشركات.
وكذلك الشأن في قراءتنا لدور التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي يزعم أنه يناضل لتحقيق الحرية والاشتراكية والوحدة، وهو عملياً أصبح جزءاً مجهرياً من بيادق العدوان، فالحرية لا تستقيم نضالاً وفقاً لمصالح الغرب، والاشتراكية تصبح مفارقة مضحكة لتنظيم يفتقد أدنى مستويات التضامن الاجتماعي داخل بنيته التنظيمية، والوحدة التي يرددونها في شعارهم واسم تنظيمهم لا تتفق مع انحيازهم لتفكيك اليمن إلى 6 أقاليم ذات استقلالية مطلقة عن المركز الوحدوي...
يتبنى مثقفو هذه الأحزاب التي كانت بأغلبها مندرجة تحت مسمى (اللقاء المشترك)، موقفاً جهوياً ضد ما يسمونه (الهضبة المقدسة) و(سكان الهضبة) و(سلطة الهضبة)، وهو ما يمكن توصيفه بالوعي الزائف والمأزوم والانفعالي، ويفتقد البوصلة الوطنية والخطاب الوطني الوحدوي الجامع.
يلتقي مثقف التجمع اليمني للإصلاح ومثقف اليسار في اليمن، في استلاب العقل، وحرف بوصلة الصراع من جوهرها الاجتماعي والاقتصادي.
فإذا كان (زنداني) اليمين يقدم علاجه للفقر والأمراض المستعصية من خلال استثماره للجهل والفقر والمرض، بحديثه عن حلول تعطل العقل، فإن (زنداني) اليسار يعالج الظلم والاستبداد والانتماءات ما قبل الوطنية، من خلال دعوته للانخراط في استراتيجية تحالف العدوان الأمريكي السعودي!
(الانخراط) لديه هو ترياق الثورة، ولو على أرضية كل ما عليها محكوم ومسيَّر سعودياً وأمريكياً.

أترك تعليقاً

التعليقات