محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا -

كعب آخيل الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م أنها لم تربط بين الثورة السياسية والثورة الاجتماعية، أي أنها لم تتخذ خطوات ثورية ضد طبقة الإقطاع ككل، واكتفت بالإطاحة بالمملكة المتوكلية، فكانت النتيجة تغيير رأس النظام لا تغيير بنية النظام، بل إن اللجنة الاقتصادية التي أرسلها جمال عبد الناصر إلى اليمن بغرض تطبيق قوانين للإصلاح الزراعي، وتحديد ملكية الأرض، وبناء قاعدة للقطاع العام والمشاريع التعاونية والصناعية، قد واجهها عبد الرحمن البيضاني بالرفض، ساعده على ذلك غياب الوعي لدى السلال وجزيلان بضرورة التحولات الاجتماعية، بل كانت قناعتهم جميعاً أنه لا يوجد إقطاع في اليمن!
من هنا كان سهلاً على الإقطاع ضرب قوى الثورة وتصفيتها بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م، جيشاً ومقاومة، وإحلال جيش إقطاعي يتبع قوى المشيخ، واقتصاد يعزز نفوذه وثراءه وسلطته. 
يعيد لينين أطروحات ماركس في سياق التحول الديمقراطي، فيرى أن الفلاحين هم حلفاء البرجوازية 
"الطبيعيون ولا أكثر". إنهم على حرجه الدقيق حلفاء البرجوازية الديمقراطية الذين بدونهم تبقى "عاجزة" بوجه الرجعية. وما حدث في جمهورية 5 نوفمبر هو دحر الفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة والوسطى والضباط والجنود والمثقفين، وإسقاطهم مع إسقاط أهداف سبتمبر، لصالح القوى اليمينية من مشيخ وقضاة وكبار ضباط تم استقطابهم، والبعثيين ورموز الإخوان المسلمين.
لقد كان اختزال الإقطاع ببيت حميد الدين خطوة ماكرة كي لا تطال الثورة قوى الإقطاع الاجتماعي، التي مارست دور القوى المضادة للثورة، والمعيقة لأهدافها، وصولاً إلى إفراغها والانقلاب عليها.
غياب الرؤية الاجتماعية الواضحة لدى قوى الثورة، وعدم قدرتها على تحديد أعدائها الاجتماعيين، جعلها غير مقتنعة بوجود إقطاع في اليمن، رغم احتشاد هذه القوى اليمينية في العديد من المؤتمرات ضد مسار الثورة. لم تتنبه قوى الثورة إلى أن قوة الإقطاع المتحكمة تعود إلى امتلاكها قاعدة اقتصادية وعلاقات قبلية وتحالفات مع حزب البعث والضباط الذين تم استقطابهم إلى صفها، وعلاقات متنامية مع الرجعية العربية والاستعمار.
لقد تكتلت قوى الإقطاع في تحالفات مؤتمرات عمران وخمر والجند، وكانت لافتتها مقررات مؤتمر خمر. وفي المقابل لم تتكتل قوى الثورة في جبهة وطنية ديمقراطية، فكانت ضبابية الرؤية في معرفة طبيعة الخصم سبباً أساسياً في التخبط والانكسار.
لقد دافعت قوى الثورة عن النظام الجمهوري وصمدت في حصار السبعين يوماً، منتصرة للنظام الجمهوري وعاصمته صنعاء، لكن دون عمل جبهوي ينظم حركتها ويوزع المهام بين قواها، بل إن عماها جعل قطاعاً مهماً منها في الجيش والقطاع المدني يشترك في انقلاب 5 نوفمبر دون بصيرة وغاية، وكان هشاشة تماسكها ورؤيتها سبباً جوهرياً في القضاء عليها.
لم يكن للثورة برنامج ثوري تفصيلي بأبعاده الاجتماعية، وإنما أهداف عامة، فلم يكن هناك برنامج اجتماعي للتغيير، الجميع كان هدفهم إسقاط بيت حميد الدين. لكن قوى الإقطاع، من قضاة ومشيخ وبعثيين وضباط منحازين لهم، كانوا يعرفون ماذا يريدون. ولهذا نجح تحالف قوى الثورة المضادة مسنوداً بالرجعية السعودية وقوى الاستعمار، وانكسرت قوى الثورة الاجتماعية.
لقد رفض البيضاني القيام بالإصلاحات الاقتصادية المتعلقة بتوزيع الأراضي على الفلاحين، وكذلك ما يتعلق باستصلاح الأراضي لصالح الدولة وإنشاء قطاع عام تستثمر فيه الدولة، وكان مع رأسمالية مفتوحة للقطاع الخاص، وكذلك فعل القاضي عبد الرحمن الإرياني، الذي كان وزيراً للعدل بُعيد قيام الثورة حين ناشد الفلاحين في محافظة إب العودة إلى دفع الإيجارات للمشايخ، بعد أن كانوا قد تمردوا عليهم، وانتزعوا الأرض منهم بانتفاضات فلاحية عفوية، وطمأن الإرياني الملاك بأن الثورة لا تهدف إلى الاشتراكية، وهو ما أكده البيضاني بخصوص رفض الاشتراكية ووصفها بالماركسية المرفوضة، وأنه مع العدالة الاجتماعية الإسلامية!
لقد تم كبح جماح الفلاحين في إب، الذين تصرفوا بتلقائية ثورية عند قيام الثورة، في رفضهم سلطة المشيخ وإسقاطهم، ورفض دفع إيجارات الأراضي لهم.
 كان موقف البيضاني والإرياني يعكس الموقف "الجامع بين الإقطاع وممثليه وما بين البرجوازية الكومبرادورية والطفيلية والمغتربة الهجينة، وممثليها"، وهو موقف مبني على الإصرار "على بقاء الطبقة الأساسية المسحوقة في المجتمع، طبقة الفلاحين، تحت نير القهر الاجتماعي لطبقة الإقطاع والبرجوازية التي أخذت تتطلع نحو توظيف استثماراتها في الأرض، والتي ليس من صالحها إيقاظ الحس الطبقي والسياسي للفلاحين عن طريق سن قانون للإصلاح الزراعي يحدد الملكية ويمنحهم الأرض التي حرموا منها عبر قرون".
كان رئيس الجمهورية عبد الله السلال غير مؤمن بوجود إقطاع في اليمن، وكان همه تطمين رأس المال، كان هم الجميع هو الإطاحة ببيت حميد الدين، لا إحداث تغييرات اجتماعية جذرية في النظام. وتوزعت قوى المشيخ والقضاة على اليمين واليسار، تماماً كما توزعت بين طرفي الصراع الجمهوري والملكي، فكان من المألوف أن تجد شيخاً إقطاعياً يحتضن اجتماعات اليسار في إب طالما أن اليسار ليس التزاما لممارسة اجتماعية وإنما رطانة لفظية، فهمها الإقطاع على أنها شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية والمحاصصات السياسية، فتوزعوا بين الأحزاب بما يعزز من مكانتهم في المجتمع ولا يمس ملكيتهم للأراضي وسيطرتهم على الفلاحين، بل يعزز من عبودية الفلاح تحت لافتة يسارية مزيفة !

أترك تعليقاً

التعليقات