التسعينيات والزمن الأمريكي
 

محمد ناجي أحمد

مع تداعي المنظومة الاشتراكية في 1989-1990م، كنتيجة للحرب الباردة، ارتفعت عقيرة الإدارة الأمريكية في حديثها وتنظيرها للزمن الأمريكي الجديد، وبداية تاريخ الرأسمالية الأوحد بقطبه الأمريكي، وجوقة دول أوروبا الغربية، والتي كان تباطؤها في الرقص وفقاً للإيقاع الأمريكي، وخاصة فرنسا وألمانيا، سبباً في وصفها بأوروبا العجوز، باستثناء بريطانيا التي قبلت دور الوصيف في حرب الخليج الثانية...
ولأن الثنائية القطبية بين منظومة الدول الاشتراكية من ناحية والغرب الرأسمالي من ناحية أخرى، قد أتاحت لبعض الدول أن تستفيد من توزان قوى الردع، لتبني نفسها بطريق شبه حيادي، فإن العراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن كانت على قائمة الغرب في ضرورة إعادة هندسة جغرافيتها وشعوبها بما يخدم نجاح السيطرة الغربية على ثروات المنطقة، وعلى ممر التجارة العالمية في المحيط الهندي والبحر العربي والبحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، وأما مصر فإن تطبيع نظامها مع مصالح الغرب في اتفاقية كامب ديفيد، جعل الأمريكيين ينفخون الروح في نظامها بما يجعله قادراً على الإسهام مع السعودية وتركيا وإسرائيل، في استدامة الهيمنة الغربية على مقدرات الشعوب في آسيا وأفريقيا...
كانت التسعينيات هي التأسيس لتاريخ من الإذلال الوطني والقومي والاجتماعي، ففلسطين لم تعد قضية للتحرير، وإنما بوابة للتطبيع واللهث وراء الاستسلام، ومشاريعه التي تقدم باسم الكيان السعودي، وهي مشاريع بدأ هذا الكيان بتقديمها في أواخر السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات، على استحياء وتخفٍّ، ثم جاهر في التسعينيات وما بعدها في تقديمها من طرف واحد على مستوى القمم العربية، باستجداء وإذلال لزمن الكرامة العربية وأهدافها في الحرية والعدالة والوحدة!
وبدلاً من تحقيق العدالة في الوطن العربي، أصبح المواطن مشغولاً وراء فتات الأجور، وتحسينها بما يتناسب مع غلاء المعيشة، وبدلاً من الوحدة أصبحنا نرى الدولة القطرية وهي تتشظى بفعل الكيانات الوظيفية، التي تخدم الغرب في المنطقة، إلى هويات قاتلة في انتماءاتها ما قبل وطنية! وأصبح الكيان السعودي يجاهر ويسوِّق لأكذوبة تكامل ووحدة (المال اليهودي والعقل العربي) للنهوض بالمنطقة، والحقيقة أنه لا مال ولا عقل، وأن الكيانات الوظيفية لا دور لها سوى أن تقوم بوظيفة شرطي المنطقة، وقتل روح الثورة لدى الشعب العربي!
المفاوضات بخصوص القضية اليمنية تقترب من الحل حين تكون بين الأطراف الحقيقية ذات المصلحة من هذا الصراع، والكيان السعودي وأدواته المحلية ليسوا أطرافاً فاعلة، ولا يملكون من أمرهم شيئاً! من يملك القرار هي الولايات المتحدة الأمريكية، والصراع والتفاوض ينبغي أن يكون سافراً وواضحاً معها، لا مع أذنابها في المنطقة، دون ذلك ليس سوى غسيل للأدمغة، وإفراغ للحقيقة من طبيعة الصراع وقواه التي تملك القرار، وتعفي نفسها من كلفته المادية والأخلاقية!

أترك تعليقاً

التعليقات