التزام السياسي ومراوغة المثقف
 

محمد ناجي أحمد

في حوارين أجراهما الصحفي المثابر (فائز الأشول) لموقع (العربي)، الأول مع المناضل والقيادي في الحزب الاشتراكي اليمني يحيى الشامي، بتاريخ 27/2/2017م، والثاني مع الأستاذ والباحث الجامعي الدكتور حمود العودي، بتاريخ 3/3/2017م.. تجلى موقف السياسي عند الشامي المتمسك بمبدئيته وتاريخ الوطنية اليمنية، وموقف المثقف بانتهازيته ومراوغته وانحطاطه عند العودي.
أثارت مواقف (يحيى الشامي) في ذلك الحوار هلع بعض (اليساريين) المتماهين مع (التحالف السعودي) و(عاصفته). لقد أكد يحيى الشامي أن العدوان على اليمن وتدميرها هدف غربي /إسرائيلي، توفرت له كل الظروف والعوامل لإنضاجه، ومن ثم تنفيذه، وهو يصف (عاصفة الحزم) بأنها (تعبر عن حقد دفين لدى المملكة السعودية تجاه اليمن واليمنيين)، فالحرب (جلبت معها صراعات طائفية وجهوية، وتسببت في شرخ اجتماعي كبير)، والصراع الذي يجري في اليمن تحركه (أيادٍ خارجية إقليمية ودولية)، وأن (تجمع الإصلاح) (يلعب دوراً في إثارة الصراعات المحلية السياسية)، وأن (اللقاء المشترك) لم يعد قائماً، وانتهى وجوده.
إن (المظاهر المتخلفة) في الصراع من مذهبية وجهوية وطائفية، برأي يحيى الشامي، تشكل خطراً وجودياً على (الحزب الاشتراكي) و(التنظيم الناصري)، يعمل على إزاحتهما عن خطهما السياسي، بسبب أن (الكثير من قواعد الأحزاب الوطنية التقدمية، وحتى مثقفيها، قد انخرطت في بعض مظاهر الصراعات المتخلفة التي تأخذ طابعاً إقليمياً أو جهوياً أو سلالياً أو حتى شخصياً).
هذا الموقف الذي تم التعبير عنه بكل وضوح والتزام، أثار جبهة بيادق التحالف من كتاب (تجمع الإصلاح) واليساريين الذين يدورون في فلك (العاصفة) السعودية، والذين قرأوا هذا الحوار (ليس بسرور بالغ)، وإنما باستنفار وعدوانية لاتقبل منظوراً مغايراً لفلكها!
لقد أشار (الشامي) إلى تشتت قيادة الحزب الاشتراكي، مما يجعل اتخاذ موقف مؤسسي للحزب غائباً، في سيولة تسمح لليساريين الانتهازيين بالرقص على إيقاع الصواريخ وماكينة القتل التي تديرها السعودية وبريطانيا وأمريكا على اليمن، مخلفة جوعاً ودماراً وقتلاً! ووجد كتبة (تجمع الإصلاح) في هذا الحوار فرصة لوسم الشامي بـ(السلالي) والانتماء إلى (الهاشمية السياسية)، كما هو ديدنهم في استثارة هذه النعرات!
في مقابل هذا الحوار الملتزم والمنتمي لثوابت (الوطنية اليمنية) وتاريخها، حيث يعد (يحيى الشامي) قائداً قومياً، فهو أحد الكوادر القيادية لحزب البعث، وتزعم قيادة (الطليعة الشعبية) فرع الشمال، الذي تأسس عام 1974م، لتبنيهم الماركسية، وهو أحد القيادات المؤسسة للحزب الاشتراكي اليمني عام 1979م.. في مقابل هذا الحوار، وعلى النقيض منه، كان الحوار مع الدكتور حمود العودي، فمواقفه التي صرّح بها في هذا الحوار، لم تخرج عن عباءة (علي محسن) الراعي والممول لمركز (منارات) الذي يديره الدكتور (العودي)، مما يذكرنا بما كتبه الدكتور (أبو بكر السقاف) في صحيفة (التجمع)، قبل سنوات، حين انتقد انتهازية (العودي) كمثقف انتقل من مواقع اليسار إلى مثقف يدور في فلك السلطة.
فالعودي يرى الصراع الذي نعيشه هذه الأيام بأنه (استمرارية الصراع والجدل بين الحاضر والمستقبل)، بل يراه في مغازلة واضحة وتلفيق انتهازي مع مصطلح (عاصفة الحزم)، بأن هذه المرحلة (معركة الحزم الاجتماعي والتاريخي)، ويرى أن استعادة اليمنيين لأسطورة (عبهلة العنسي) بكل دلالاتها الماقبل وطنية، على أنها استنهاض وطني في مواجهة (الفرس)، ويبرر للعدوان السعودي الغربي بقوله إن (التحالفات الإقليمية والدولية هي سنة من سنن الصراع السياسي على مر التاريخ).. بهكذا لغة وانتهازية يبرر العودي للعدوان والهويات ماقبل وطنية.
وبالرغم من غياب (المركزية) القوية في اليمن، يسوِّغ (العودي) لأقلمة هادي والمشروع الغربي، بقوله: (عندما يتحقق التوازن بين المركز والأطراف، تنهض اليمن وتزدهر)، ويصل به الأمر إلى القول بأن (السعودية لم تشن الحرب على اليمن اعتباطاً، لأننا قد خضنا حروباً كثيرة معها قبل الثورة وبعدها، وهي كانت تمول الصراع في اليمن عبر أدواتها في الداخل اليمني، لكنها لم تزج بنفسها في حرب مع اليمن كما اليوم، ولها مبررها، لأن ما يدور في اليمن يثير فزعها)، فالمبرر كما يراه (العودي) هو (أنصار الله) و(التشيع) و(إيران)، (وبالتالي فإن السعودية في اليمن تدافع عن نفسها)!
هذه هي خلاصة استقالة العقل التي تميز بها الدكتور (حمود العودي) طيلة عقود التسعينيات وما بعدها، لغة زئبقية تحاول أن تخفي وراءها نفعية واضحة وتبعية لمركز من مراكز النظام الذي تفكك عام 2011م، حين تخلص هذا النظام من خصومه، فانتقل الصراع إلى داخل مكوناته، وانطلق مثقفوه ليعبروا عن تحيزاتهم ضمن هذه العلاقة ونسق الصراع!

أترك تعليقاً

التعليقات