الدين حراك ثوري إنساني
 

محمد ناجي أحمد

الدين ليس حالة غيبية تكرس غيبوبة الإنسان وفاعليته في مواجهة الظلم الاجتماعي، والناتج عن علاقات الملكية المستأثرة والمكتنزة، وهو ليس أفيوناً للشعوب تستخدمه طبقة اجتماعية لاسترقاق الغالبية من الناس، كما كانت تصنع القرشية التجارية بمكة؛ حين كانت تستثمر تعددية الرموز الدينية بما يراكم أموال وثروات القائمين على خدمة الحجيج وحركة التجارة المكية نحو الشام واليمن.
لقد كتب ماركس في الحوليات الألمانية الفرنسية (الدين أفيون الشعب. وإلغاء الدين من حيث هو هناءة الناس الوهمية، معناه المطالبة بهناءتهم الحقيقية...)، وبالتالي فالنقد الماركسي هو موجه لذلك النوع من الاستلاب لجوهر الإنسان، أي (نقد لوادي الدموع).
إن رسالة محمد بن عبد الله في مواجهة الملأ من قريش، وجبابرة العصر من الروم والفرس، انتصار للمستضعفين في الأرض، ووعد لهم بانتقالهم من الاستعباد إلى الاستخلاف في الأرض، أي الهناءة الحقيقية، من خلال ثورتهم على علاقات الملكية المنتجة للاستضعاف والاستقواء، بما يخدم حاكميتهم على الأرض ووراثتهم لها...
لقد عملت المشيخات الخليجية، وعلى رأسها الكيان السعودي، على استخدام الدين كصولجان لإذلال الناس وسومهم صنوف المهانات باسم الحسبة وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستلابهم وعيهم بعد تحكمهم بحاجاتهم، باسم لافتات عديدة، منها: مراكز بحوث الإعجاز العلمي، والعلاج بالرقية، و(عيادات علاج السحر، وعلاج الفقر!)، وجعل الإنسان أسير الجهل والفقر والمرض، بدلاً من انشغاله بجوهر مشكلاته وقضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفلسفة التربوية؛ أي الانشغال بالدين كقيم اجتماعية رافضة وثائرة.. كلنا يتذكر محاضرات ما سماه عبد المجيد الزنداني (الإعجاز العلمي)، ومركزه الرئيسي في السعودية، كيف كان من خلال تسطيحه للفهم الديني، وزعمه أنه عمل من خلال (أبحاثه) على (هداية) عديد من علماء الغرب في مختلف التخصصات العلمية: في الطب والفيزياء، والكونيات والكيمياء وعلوم الجيولوجيا، وكيف نسب إلى علماء الاتحاد السوفيتي تسجيلهم للعذاب في أسفل طبقات الأرض! إلخ، مستخدماً وسائل التأثير المسرحي والأداء التمثيلي لإقناع الجمهور المخدر بما يقول!
لا علاقة لـ(إعجاز الزنداني) بالفقر والظلم والاستئثار بالمال والأمر، ما لم يكن ضمن مصالح الكيان السعودي، وإنما كان (إعجازه) يدور حول صرف الناس عن التفكير بقضاياهم الحقيقية، والانشغال بغيبيات تخدم الأنظمة التي تدور في فلك الغرب، ويعتبرهم حماة الدين والأماكن المقدسة! 
لقد جعلوا الدين تمائم وأرقيات وأساطير تخدمهم وتخدم أسيادهم، مما يجعل المتدينين جيشاً يدعون للسلطان في الليل، في تكامل مع جيوشهم التي أسسوها لحماية عروشهم وممالكهم...
في هذا السياق، ينشط دعاة التجمع اليمني للإصلاح، من شيخهم الزنداني والديلمي إلى عبد الله أحمد علي والحزمي ومحمد الصادق، بل ومن يقدمون أنفسهم بلبوس عصرية كدحابة، فهم ينصرفون ويصرفون الناس عن جوهر الدين المقاوم، ليشغلوا الناس بمواضيع الاختلاط والغناء والحجاب، والرضا بالتفاوت الاجتماعي بين الناس على أنه أمر الله لا احتكار لأدوات القوة وتكريس لعلاقات اجتماعية ظالمة، وتحويل للدين إلى وعظ يخدم السلطنات والمشيخات، أذناب العولمة والمصالح الغربية في المنطقة. لهذا نجدهم عند الصراعات الاجتماعية والانتفاضات الشعبية، يتحولون إلى جماعات تراقب الحريات الطبيعية للإنسان، وتعمل على تكميمها ووأدها، حتى يحققوا مقاصدهم في ترويض الشعوب، وإبقائها داخل حظائر أسيادهم!
إن أكبر مؤامرة على المسلمين، تأتي من عقول كهنتهم، سواء كان هؤلاء الكهنة موظفين رسميين في الدولة أو دعاة في الفضائيات، أو دعاة شعبويين في انتظار فرص الترقي في سلم الكهنوت. عندما يعتزل هؤلاء الكهنة، ربما من الممكن أن نكون في وضع أفضل وقتها، كما يرى ذلك الدكتور أحمد عبدربه، في مقال له عن أساطير التدين...

أترك تعليقاً

التعليقات