محمد ناجي أحمد

كان انضمام سلطان أحمد عمر لحركة القوميين العرب، أثناء دراسته بمصر، عام 1956م، حين قام الطالب اللبناني إبراهيم العبد الله باستقطابه هو وفيصل عبد اللطيف وعدد من زملائه اليمنيين، وقد عاد فيصل عبد اللطيف الشعبي وتبعه سلطان أحمد عمر، في صيف عام 1958م، على نفقتهما، لتأسيس فرع للحركة في عدن، وفي صيف عام 1959م عادوا إلى عدن على نفقة الحركة، وقاموا باستكمال تأسيس فرع عدن وتعز وصنعاء.
تأسس تنظيم الضباط الأحرار عام 1961م، وكان بعض الضباط في التنظيم قد التزم تنظيمياً لحركة القوميين العرب ولحزب البعث العربي الاشتراكي، إلاّ أنهم اتفقوا على أن يتخلوا عن انتماءاتهم الحزبية، وأن يكون إخلاصهم لتنظيم الضباط الأحرار، وتحقيق الثورة.
بعد قيام الثورة السبتمبرية، أو ما يسميها سلطان أحمد عمر في كتابه (نظرة في تطور المجتمع اليمني) الصادر عن دار الطليعة، والذي أنجزه عام 69/70م، سماها (الانقلاب الجمهوري)، فهو في كتابه لا يطلق على 26 سبتمبر ثورة، وإنما (الانقلاب الجمهوري) الذي قام به تنظيم الضباط الأحرار بقيادة 5 من الضباط الشباب، على رأسهم كما يقول (علي عبد المغني وعبد الله جزيلان)، بالرغم من أن جزيلان ينفي في مذكراته وجود تنظيم للضباط، ويزعم أنه هو قائد الثورة، إلاّ أن كتاب (وثائق وأسرار الثورة اليمنية) الذي أصدره في السبعينيات عدد من الضباط الأحرار، يذكر أنه لم يتم ضم (جزيلان) للتنظيم إلا قبل الثورة بأسبوع، ولم يتم إبلاغه بذلك سوى قبل الثورة بيوم. وتفسير ذلك عدم ثقة علي عبد المغني بجزيلان بسبب ترقية البدر لجزيلان برتبتين، وترفيعه إلى مقدم، والبعض يحيل موقف عبد المغني إلى إقصاء جزيلان له من المشاة!
لقد استخدمت وصف (حكيم الوطنية اليمنية)، وأنا لا أقصد بذلك صفات التروي والتأني في اتخاذ القرارات والمواقف فحسب، وإنما رؤية وموقف سلطان أحمد عمر الجذريين والواضحين من طبيعة الصراع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في اليمن، وتحليله النظري والاجتماعي من واقع الملاحظات والدراسة الميدانية لسيطرة طبقة الإقطاع، ممثلة بالمشائخ الذين يسيطرون ويستحوذون على عرق الفلاح وعمال الزراعة، ويملكون كل شيء من الأرض إلى البيت إلى حياة الفلاح الشخصية!
حين اجتمعت القوى الوطنية في صنعاء عام 1963م، وأسست (الجبهة القومية)، كان لحركة القوميين في اليمن والجبهة الناصرية الحضور الطاغي في هذا الاجتماع، مع وجود القاضي ممثلاً عن حزب الشعب الاشتراكي، إلا أنه انسحب بعد ذلك. وقد كلف سلطان أحمد عمر وعبد الحافظ قائد بصياغة (الميثاق الوطني للجبهة)، وفي المؤتمر الأول للجبهة، الذي عقد في تعز عام 1965م، تم إقرار الميثاق الوطني بصيغته النهائية، وقد تم الربط فيه بين القضية الوطنية والاجتماعية، واستخدم مصطلح (الاشتراكية العلمية)، مما يعكس تأثر سلطان أحمد عمر بالناصرية وميثاق جبهة التحرير الجزائرية...
يطرح (سلطان) في كتابه (نظرة في تطور المجتمع اليمني)، أن ذلك الميثاق لم يكن واضحاً في نهجه واختياره للاشتراكية، وهو ما عكس نفسه في الصراع الذي انفجر عام 1969م في جمهورية اليمن الشعبية، وانتهى بالإطاحة بقحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف الشعبي، بسبب التباين الواضح بين مكونات الجبهة القومية حول القضية الاجتماعية و(الاشتراكية العلمية)، فقحطان وفيصل كانا يريانها بناء للقطاع العام على طريقة مصر عبد الناصر، وسالمين وعبد الفتاح ومقبل وعلي ناصر وعلي عنتر كانوا يرونها تحولاً نحو المجتمع الاشتراكي. فقحطان كان يصف ذلك بأنه شيوعية، وهمه وتوجهه لا يتجاوز موقف الإصلاحيين الاجتماعيين من تأميم للأراضي الزراعية بنسبة لا تقضي على الإقطاع، وإنما تترك لهم قدراً من سلطتهم مع تعويض مالي عن القدر الذي أخذ منهم.
كان سلطان أحمد عمر من مؤسسي (الحزب الديمقراطي الثوري اليمني) الذي تحول من حركة القوميين العرب بعد قرار الانقطاع عن الحركة الأم في بيروت، ونهج طريق (الاشتراكية العلمية)، وذلك في اجتماعهم التأسيسي بتعز بقرية (حارات/ الأعبوس).
في 1973م كان انعقاد المؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي الثوري اليمني في أبين، وتم في هذا المؤتمر اختيار نهج الثورة الشعبية، ابتداء من المناطق الوسطى، وبقيادة ورؤية سلطان أحمد عمر تجاه قوى المشيخ، وتحرير الفلاحين منهم وتمليكهم للأرض، فالأرض لمن يفلحها.
حين يحلل (سلطان) أزمة الثورة في الشمال، في كتابه سابق الذكر، يقول بعنوان فرعي: (التجمع الناصري)، (إن الجناح البورجوازي لحركة المعارضة اليمنية ممثلاً بمجاميع محمد شعلان، ومحمد علي الأسودي، وعبد الغني مطهر، قد التفت حول البيضاني، إلا أن انتهاء البيضاني من السلطة قد أدى بها إلى أن تلتف حول رئيس الجمهورية السابق عبد الله السلال. ومع هؤلاء وقفت عناصر من فئات البورجوازية المتوسطة، كما وقف معها بعض مشائخ القبائل المتنورين كالشيخ مطيع دماج وأحمد العواضي، وشكلت هذه الكتلة بمصالحها المتعارضة كتلة مرتبطة بأجهزة العربية المتحدة ودبلوماسيتها.. ورغم أنها - أي الكتلة الناصرية - تحمل مفاهيم إصلاحية، إلا أنها تعتمد بدرجة أساسية على نفس القوى التقليدية التي تعتمد عليها الكتلة الحاكمة حالياً، أي تعتمد على مشائخ القبائل).
يصف (سلطان) الناصريين الذين كان القائد الناصري الشاب عيسى محمد سيف يقودهم منذ 65م، بـ(عملاء المخابرات المصرية)، متجاهلاً إيمان هؤلاء الشباب بالتوجه الناصري الذي يصفه بـ(الإصلاحي)، فعن أحداث 26 سبتمبر 1966م في تعز يقول: (حيث وصل الخلاف قمته بين عملاء المخابرات المصرية وبين القوميين العرب، أدى إلى اشتباكات بالأيدي والرصاص في شوارع تعز، دفعت بحدوثها أجهزة المخابرات المصرية، وذهب ضحيتها أحد الطلبة واثنان من المواطنين، كما جرح أحد النقابيين)، وذلك إثر مسيرة يصفها بأنها كانت مسيرة عمالية شعبية. ومن المعروف أن من يصفهم بالعملاء هم شباب الناصريين الذين كان يقودهم في تلك المصادمات القائد الناصري الشاب (عيسى محمد سيف)، والذي كان منذ تأسيسه لـ(القاعدة الطلابية) كاتحاد طلابي منفصل عن اتحاد الطلاب المسيطر عليه من الحركيين، ثم تأسيسه لتنظيم (الطليعة العربية)، على تواصل مع مكتب القيادة العربية بتعز.
لقد كان سلطان في توصيفه هذا يعبر عن البعد الانتهازي لحركة القوميين العرب التي قدمت نفسها كحركة ناصرية عند استقطابها للشباب والكوادر، مستفيدة من الحضور الجماهيري لجمال عبد الناصر وقيادته للقومية العربية، وفي ذات الوقت سرعان ما تخلت عنه مركزياً بعد هزيمة 1967م، وفي اليمن بدأت منذ بداية 66م تتحرك باستقلالية ومسار يرفض أن يشاركه أحد في تمثيل العمل الفدائي بالجنوب. وقد ساعدهم في ذلك تقاعس الآخرين عن العمل الفدائي، والبحث عن تسويات سلمية مع الاستعمار عن طريق المفاوضات والرهان على حزب العمل في بريطانيا.
لقد كانت الصدامات بين الشباب الناصري والحركيين عام 66م، في المظاهرات، وفي مدرسة الشعب ومدرسة الثورة الثانوية، ومنها صدامهم أثناء زيارة جورج حبش وهاني الهندي ومحسن إبراهيم، بعد 13 يناير 1966م، لمعالجة تداعيات ما سمي وقتها (الدمج القسري) في 13 يناير بين جبهة التحرير والجبهة القومية، بسبب موقف قيادات العمل الفدائي في الجبهة القومية ضد الدمج، ورفضهم لذلك في بيان ديسمبر 1966م.
كان (سلطان أحمد عمر) ينأى بنفسه عن السلطة، ويصفها بـ(كرسي الحلاق)، ويتمتع بكاريزمية وقوة شخصية وجرأة في اتخاذ القرار، وخياله الذي يستخدمه في الوقت المناسب كما يصفه أحد زملائه.
نأى بنفسه عن الصراع بين المحتربين في مذبحة 13 يناير 1986م، على عكس جار الله عمر الذي (كان بوصلة رئيسية في تحريك وحسم الأحداث)، وهذه كانت نقطة خلاف بين سلطان وجار الله. كان رأي سلطان (ألا ينخرط فرع الشمال في الصراع كي لا تتسع دائرة العنف، ويحدث فرز مناطقي وجهوي)، لذلك تعرض وتياره في الوحدة الشعبية إلى الإقامة الجبرية بعد مذبحة 13 يناير 1986م.. لقد كان نضوج جار الله عمر بعد أحداث يناير، في حين أن نهج سلطان المبني على رؤية تحليلية اجتماعية، هو ما يميزه في كل المنعطفات. كانت رؤيته في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، القيام بثورة شعبية في الشمال، تستكمل الثورة في الجنوب، مستلهماً في ذلك (التجربة الفيتنامية).. (لكن جار الله عمر بالغ وغالى في الاستخدام المفرط للكفاح المسلح). لقد كانت سعة اطلاع سلطان على تجارب ثورية عربية وعالمية، ووعيه المنهجي الاجتماعي والاقتصادي، يجعل الرؤية أوسع وأشمل.
يكتب (أحمد الحربي) في كتابه (اليمن ماضٍ يرفض أن يرحل...)، عن (سلطان أحمد عمر) و(مالك الإرياني) بشكل سلبي أقرب إلى الانتقام، بسبب اعتقاده أنهما عملا على إسقاطه من انتخابات اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي، بحسب تأويل بعض رفاقهم.
لقد كان (سلطان) مع التنوع في إطار الحزب الاشتراكي، ورؤيته أن تتأسس الدولة في الجنوب، وتتجه فصائل اليسار لإسقاط القوى الرجعية في الشمال. واختلف مع عبد الفتاح إسماعيل في استراتيجية الجبهة القومية في توحيد اليسار واحتواء فصائله، وتمييعها في حزب الدولة. لهذا كان هناك نوع من التنافس والصراع البارد بين الجبهة القومية والحزب الديمقراطي الثوري، بسبب ما يمتلكه الأخير من قيادات واعية ومستقلة.

أترك تعليقاً

التعليقات