محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد

هناك مثقفون أقوياء فيهم من الصلابة الحقيقية والشجاعة ما يجعلهم مؤثرين. وهناك من كانت لهم صلابة في بضع سنين ثم كان انكسارهم وانثناؤهم مع "تبدل الأوضاع وتبدل الطباع"، بحسب صلاح عيسى في كتابه (مثقفون وعسكر) 1986م.
افتقد الناصريون والاشتراكيون في اليمن للتربية السياسية والتنظيمية، طيلة عقود الثمانينيات وما تلاها. وإخلاصهم يتمحور حول الأشخاص لا الأهداف والبرامج، والصراع في تاريخهم على مستوى الشارع والمدرسة والجامعة... الخ، يأخذ بعداً شخصياً، ويتميز بالأمية فيما يخص طبيعة النشاط السياسي بين الناس في الحارات والقرى والتجمعات العمالية، واستغلال عواطف جماهيرية عامة، والعجز عن تحريكها، وليس لديهم فهم لطبيعة التحالفات الاجتماعية في اليمن.
وهم يستدرجون إلى مواقع اليمين، بينما يظنون أنفسهم (يعاقبة) متطرفين. إذا استخدمنا تحليل صلاح عيسى في كتابه آنف الذكر.
 نجد الناصريين وقد استدرجوا إلى مواقع السلفية الجهادية، وميليشياتها التي يقودها (أبو العباس). ونجد الاشتراكيين وقد أصبحوا مبررين لنهج وممارسات الإخوان المسلمين وميليشياتهم. لهذا فمواقفهم شديدة المظهرية والادعاء في طهرانيتها؛ لكنهم عملياً شديدو الشره والتكالب الدائم على المنافع الشخصية، ولديهم وهم متضخم عن جماهيريتهم.
يمكن فهم اتجاهات الناصريين بحسب محمد عودة في الحوار الذي أجراه معه صلاح عيسى عام 1974م، ونشره في كتابه "مثقفون وعسكر" بالاتجاهات التالية:
عناصر ذات وعي وطني تعي مصلحتها في الارتباط بمصالح الجماهير الشعبية عموماً. وعناصر ذات وعي وطني واجتماعي متخلف، وهم الغالبية. وعناصر يقودها تدني الوعي الوطني والاجتماعي معا إلى مواقع فاشية في الرؤية والممارسة 
ويبعث آراء وأفكاراً خاطئة كالأفكار الثيوقراطية أو المتعصبة قومياً، وهي أفكار تخدم في المدى القصير -والبعيد- البرجوازية الكبيرة، وربما الاستعمار أيضاً. ولعل ما يحدث في اليمن والمنطقة العربية يؤكد رؤية محمد عودة.
الثقافة في جذرها تعني "الرؤية"، ومن ذلك تولد معنى التهذيب والتشذيب: "وإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم". ورؤية ما يحدث في اليمن تقول بكل وضوح إن الحرب ليست ثقافية وعقائدية، بل إنها صراع المستهدف فيها أراضينا وثرواتنا وكرامتنا الوطنية. فالصراع هو بين معتد غربي بقفازاته الإقليمية، ومعتدى عليه هو الوطن اليمني وثرواته وسيادته. 
لقد وصل تواطؤ بعض المثقفين اليساريين أن قالوا بأن مشكلتهم ليست مع الامبريالية والأنظمة التابعة لها، وأن "الامبريالية" مسمى وهمي، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ومشيخات محطات البنزين يدافعون عن أمنهم القومي. فالأمن القومي الأمريكي حدوده باتساع أطماعه وما يسميه مصالحه، بحسب مبدأ مونرو، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو عام 1823م.

أترك تعليقاً

التعليقات