القضية اليمنية وتراجع العالم
 

زياد السالمي

أصبح واقع العالم الثالث يقوم ويسير بطريقة غير منطقية ومخالفة للعقل والأعراف والقوانين، لا احترام سيادة تلك الدول، ولا إرادة شعوبها، ولا احترام القوانين التي ظلت البشرية تسعى لترسيخها طيلة عقود من الزمن.. أعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى انتفاء الهوية وتراكم الجهل وعدم الأخذ بعين المسؤولية بالقوانين والأعراف الدولية مقابل براجماتية أهل القرار من ذوي النفوذ الإقليمي، التي يسيل لعابها أمام تدفق مال دول ذات المصلحة في زعزعة الدول الأخرى دون حتى رؤية بعيدة المدى في إشعال الحروب وقلقلة وضع الدول التي تعاني من هذا الكابوس المزعج. وكأن الموضوع والدماء التي تسال عبارة عن لعبة وسباق وتسلية يستمتع بإظهار المجتمعات الفقيرة على شكل وحوش ودمى. 
فأية علامة هذه وأي تقدم حضاري أو تكامل إنساني يقوم بتدمير كل شيء من أجل لا شيء..! 
كنا إلى قبل مسمى الربيع العربي نعيش في غيبوبة استقلال الدول وحقها في حكم نفسها وسيادتها. ولم نكن ندرك أن هذه الظاهرة المخطط لها من قبل دول عظمى تحاول تشكيل المنطقة العربية بالطريقة التي تجعلها هشة جداً، متخذة أخداناً من أبناء الدول العربية. وتنظيمات تمارس ـ كما مارست عقداً طويلاً من الزمن ـ سياسة وإدارة الدول، وكانت شريكاً فاعلاً كوسيلة في تنفيذ ذلك المخطط.
هل أصبحت الأوطان سهلة بهذا الشكل؟ هل أصبحت تلك التنظيمات الحزبية بهذا الغباء حتى تقوم بتنفيذ المشروع الغربي بدلاً من الغرب، وفي النهاية يحكم عليها بالإعدام تحت مسمى محاربة الإرهاب؟
هل أصبح العالم يفقد حسه الإنساني والقانوني، ويبدأ بتدمير المنطقة العربية لتنتقل العدوى بعد ذلك إلى الدول صاحبة القرار الدولي؟ 
إن كانت الفوضى ـ كما يروج لها ـ خلاقة، فليس بهذه العبثية، ولا بهدم أنظمة دول اعتادها المواطن وتعود عليها، وإنما بخلق فكر جديد يتكامل مع الفكر السابق، ويحتاج إلى مجتمعات تعي وتدرك اللازم، في خلق ما ينبغي، كما تعي الوسيلة المناسبة بما لا يهدم الإنسان، ويعيده إلى مرحلة الصفر. 
الفوضى الخلاقة تتجسد في أبهى معانيها في انتخابات رئاسة فرنسا الأخيرة، التي استبدلت الأحزاب السياسية العتيقة بحركة شبابية، وفوزت شاباً عبر صناديق الاقتراع. 
نتيجة وعي الشعب الفرنسي الراسخ بالتغيير والتجديد. ودليل على المستوى العالي من الرقي في التعامل، والوعي الناضج الذي وصل إليه المجتمع الفرنسي. بينما ما يحدث في الوطن العربي هو خراب لا طائل منه، بل سيؤدي في حالة استمراره إلى كارثة إنسانية سيتضرر منها القاصي والداني، البعيد والقريب. ولن يفوز أحد، ولن يتمرر مشروع استعماري جديد نتيجة الخطأ في الوسيلة وعدم تناسبيتها مع البيئة والمناخ في المنطقة محل التجربة هذه. 
كان الأولى بالعالم أولاً هو فرض فكر جديد، والسعي إلى ترسيخه في هذه الشعوب التي تعيش في أدنى مستويات العلم والجهل، وصولاً إلى المأمول بطريقة أقل ضرراً على الجميع، وعلى الإنسان وحقه في العيش والحياة بدلاً من الاقتتال. 
لقد تمرغت الإنسانية في وحل الدونية، وفي مستنقع سفك الدماء، واستمرأت ذلك ببعض المال، وأضحت عاجزة أمام عولمة العالم وعدم احترام الحدود والقيود الدولية، منصاعة مبررة لكل ما من شأنه إهلاك البشر والحجر والشجر تحت مسميات أوهن من بيت العنكبوت، مما يجعلها تتراجع عن ركب التقدم ومؤاخاة الإنسان وصولاً إلى أنسنة الأشياء. وكان الثمن بخساً دراهم معدودات ولا أفظع، ولنا في اليمن وما يحدث فيها وعزل هذه الأحداث عن الشعوب والعالم، المثل الأجلى والشاهد الحي على هذا التراجع الحضاري، لتصبح القضية اليمنية والدماء اليمنية وصمة عار في جبين المنظمات الدولية والإنسانية جمعاء.

أترك تعليقاً

التعليقات