ثاني أكسيد الغباء
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -

لا يوجد طريقً آمن للعرب في المرحلة الصعبة هذه وأكثر سلامة لمستقبلهم الوجودي سوى بالتخلي عن عدائهم المفتعل تجاه إيران، ونفض كل مظاهر التطبيع القميئة مع "إسرائيل"، والتحلي بروح المسؤولية المقاومة، لأجل استرجاع الأرض الفلسطينية كحق وكقضية عربية مركزية، كذلك خروجهم من اليمن وتجنيب طاقاتهم المنهكة حد السقوط في خوض معركة خاسرة مع هذا البلد الحُر تحت أي قناع أو مسمى توظيفي واهم.
لقد كشفت السنوات السابقة في ظل العدوان الكوني المشترك على اليمن فضائح من العيار الثقيل لدى كل الدول التي ساهمت بالحصار والتقتيل واستهداف هذا البلد أرضاً وإنسانا، وبالأخص الدول العربية. ومثلما أن هذه الفضائح كانت شائعة إلى حد فقد معه وعي المواطن العربي توازنه في سرعة الفهم والرد، فقد كان الغباء شائعاً أيضاً، عربياً هو أكثر شيوعاً وكأنه ابن الست سنوات التي مضت من هذه الحرب الظالمة والتي تقطعت الفترة الزمنية بنا منذُ ولادته على أحداث ومجريات فاضحة التعري والظهور.
ظاهرة التطبيع والتداولية التي جرت في سياق الحديث عنها كانت بالفعل خائبة، وهي تؤسس لمشروع نصي جديد يعكر فيه الوعي التطبيعي مزاج الوعي المقاوم، حقاً، ولكننا في لهيب المعركة الجهادية ضد العدوان في اليمن، اكتشفنا حقيقة أننا لن نخطئ "إسرائيل" مرة إذا ضربنا دول العدوان ومصافيها النفطية أكثر من مرة، إذا دمرنا مقدراتها وقمنا بتهديدها وعملنا على رفع الجاهزية وفعلنا النشاط الصاروخي المباغت في العمق من مدنها الزجاجية، على الأقل. "إسرائيل" فتشت عن معادن العرب وعرفت مدى أصالة هذا العربي من ذاك ولقيت من يواليها، فنحن نؤكد لها زوال اصطفافها الجبان وتخريبه على نحو عملي وبشكل دائم، إنه خط محور المقاومة الذي يجب أن نثق به.
البعض منا لم يعد يجهل فشل العدوان وخيباته في تحقيق أي نصر على اليمن، وأصبحنا ندرك تماماً الهزيمة التي لحقت به وبمرتزقته في الداخل، لكن سماعنا لماطور الإعلام السعودي والإماراتي والإعلام الإخواني سيجعلنا نتقيأ عقولنا دفعة واحدة على طاولة ملساء ونحن في قمة الاسترخاء والهدوء، فهذه الأيام يجري الحديث عن المصالحة القطرية السعودية، وتجري وعود الساسة المرتزقة في اليمن على أن هذه المصالحة ستغير مجريات الحرب العدوانية في اليمن، بينما تناسى هؤلاء ضعف بداياتهم الجمعية في خوض حرب ضد اليمن منذُ الأيام الأولى، ثم انتهى المطاف بهم بهزيمة عسكرية هي الأعظم في التاريخ، ومن حيث قدرة اليمن أيضاً على تصنيع الأسلحة القاطعة للمسافات البعيدة والالتحام بخط المحور المقاوم.
إن أكثر ما يعيش العرب عليه اليوم هو الغباء. إنه زادهم والغذاء الروحي الذي يمتزج في دماء أوردتهم وشرايينهم كل يوم. ولا عجب أن نجدهم يتجاوزون الواقع، لأنهم أغبياء. لا عجب أن نراهم يشترون أمنهم العربي وقوة توحدهم من قبل الكيان الغاصب، لأنهم أغبياء. ومن يراهن عليهم هو كذلك غبي، بل إنه غبي لدرجة التفحم، وهذا ما نجده في حكومة المرتزقة في اليمن من إخوان مسلمين ومجلس انتقالي، الحكومة الفاشلة التي تحاول كل مرة تكرار رهاناتها الخائبة بنفس الوسائل والطرق، وليس ما حدث في "حيمة" تعز إلا ثاني أكسيد هذا الغباء المجرب سابقاً، والساعي إلى محاولة تفجير الوضع الداخلي وتجنيب رأس الحربة مواصلة سيره صوب الهدف الحساس لتحرير أكبر مساحة جغرافية في تعز. إن حكومة المرتزقة والدول المطبعة لا تختلف كثيراً في واحدية الغباء الشائع الذي صار يمثل وصمة في تاريخهم، ولنا فيهم عبرة، أن نقتل الغباء لضمان عدم شيوعه أبداً.

أترك تعليقاً

التعليقات