بايدن وبَستَرة الواقع
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -

لا تتغير أبدا المرآة السياسية لدى أمريكا مهما تغيرت الوجوه الحاكمة التي تظهر عليها في كل مرحلة، تبقى المرآة ثابتة، في كل مرحلة وفي أكثر من عهد مهما تلونت شعرات الرأس وتغيرت البشرة، وجميع هذه الوجوه بمختلف تشكيلاتها واتجاهاتها توظف لهدف غير سامٍ، وهو إضاءة المستقبل البشري بظلام أمريكا وسياستها الخارجية المنعكسة من مرآة تشربت كل الوجوه السابقة التي مرت في الحكم، ولا ينجز فعلها السياسي سوريالية مشهدية كهذه فقط، وكالتي مرت من قبل لتكتفي المخيلة العالمية بالتوقف عن تعريف هذه الفظاعة، حِدة هذه الفظاعة تكمن في بسترة الواقع والمغالطة التي بدأ ينهجها الرئيس الجديد في أمريكا، مرحلة بايدن "الديمقراطي"، هذا الرجل -وهذا ليس بجديد- لن يسعى فيها سوى لتحقيق مغالبة سياسية لصالح أمريكا على دول العالم، ولكن بالحيلة، وهذا ما يجب أن نعرفه أيضا عن أصابع لا شك ستتسلل لحلب أثداء "البقرة".
بايدن في خطابه الأخير كان أكثر مكرا، فخلال حديثه عن حرب العدوان في اليمن تحدث كأنه أمام واقع "معقد"، وتتزايد مشكلة الخطاب لدى المتلقي اليمني كثيرا في تجنيب أمريكا صناعة هذا الواقع وبسترة الحديث عن صناعة المأساة بعيدا عن ذكر أمريكا، مُغفلاً أن دول العدوان أعلنت حربها على اليمن من واشنطن في ظل إدارة أوباما، هو أغفل ذلك، أو بالأصح بستر ذلك حين توعد بوقف بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، وراح يُحمل جميع الأطراف بما فيها القوى الوطنية المدافعة في صنعاء نتائج ما آلت إليه فظاعة هذه الحرب.
لدى اليمنيين عقيدة سياسية تكاد لا تختلف عن عقيدة من يشاركهم الحرية ويتفق معهم حول العالم، مفادها أن بايدن خطر حقيقي على الإسلام والمسلمين وعلى هذا العالم برمته، مثله مثلّ ترامب، وربما أكثر منه، وهذه العقيدة الإيمانية والسياسية لم تكن محض صدفة، بل حقيقة استشفوها من نص القرآن الكريم ومن سياسة الواقع التي أصلت فيهم صحة ما ذهبوا إليه وما اعتقدوه.
إن عقلية بايدن المبسترة عقلية شديدة الاختراق كما يتضح منذُ بداياتها، فهي مثلاً تعد بمنع بيع الأسلحة للسعودية والإمارات وإيقاف الحرب على اليمن، ولكنها أيضا تعد بالوقوف إلى جانب السعودية لحماية سيادتها، هذا الطرح دائري ويريد تأنيب الأطراف جميعها في الضلوع بهذه الحرب وبأمد استمرارها. إنها عقلية شديدة الخلط بين مفهومي الحق والحقيقة، وهذه هي الأسلوبية السياسية الجديدة التي سيواجه بها بايدن الديمقراطي هذا العالم بنهجه المختلف عن نهج وأسلوب ترامب وتعاملاته في إدارة السياسة الخارجية.

أترك تعليقاً

التعليقات