حينما كان الجامع الكبير صغيراً
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -
وما أسهل هذا اليوم، ما أسهل أن أصبحنا نصرخ بملء الفم في هذا الوطن الحبيب دون أن ندفع الثمن ولو لمرةٍ واحدة، ودون أن تصيبنا آلة الشر بمحوٍ تقتيلي، وأيضاً دون أن تلاحقنا أو تتلصص علينا عيون أجهزة المخابرات!
في السابق، كانت أغرب المخلوقات البشرية تخاف أن يجاهر أحدهم بالصرخة في الجامع، أو أن يقوم بكتابة الشعار على وجه جدار، أو أن يضع ملصق الشعار في جنبيته أو على ظهر تلفونه أو سلاحه، كان هذا الخوف قاتلاً، خوف ملكَ صاحبه فهلوة الاندفاعة، وأعطاه رمزية أن يكون جلاداً بدافع وحس ديني تعبوي، فكثير من المخدوعين كانوا يرون بأن فعل الصرخة من المحرمات وأن من يصرخ فقد تعدى حدود الدين ودخل في دائرة الكفر، وهذا ما يحلل لهم فعل الضرب أو السحق لأي أحد يحاول أن يصرخ.
الكثير منا اليوم يستمع لشعار الصرخة بصوت شهيد الأمة السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) عبر مسجل الصوت، لكن لا يعرف عن قصة هذا الشعار شيئاً، لا يعرف أن شعار "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" كان يفوق خطر أن ينطق أحدهم بشعار الإلحاد والكفر بالله سبحانه وتعالى "لا إله والحياة مادة"، أخطر من أن يعبئ أحدهم في فمة شريط حبوب مخدر على ألا يصرخ منه، نعم نستمع للشعار عبر مسجل الصوت الذي استخدمه السيد حسين في محاضراته، لكنا لا نعرف كيف أطاح هذا الشعار لوحده بمنظومة النفاق وبرمزيتها الذليلة، ولسنا نعرف كيف أن الصرخة لوحدها في الجامع الكبير بصنعاء كانت مهمة ضمن مهام كاثرة أوكلها السيد حسين للأوفياء من رجاله، لقد كان الجامع الكبير كبيراً حينما كان يصرخ فيه المجاهدون، لكنه كان صغيراً حينما يتم ضرب المجاهدين فيه.
ففي السابق أيضاً، كانت التهمة اللصيقة بأنصار الله التي عرفتها القبيلة وعَرفت بها كل من هم حول الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي تُوصف "بالمكبرين"، القبيلة والسلطة وحزب الإخونج أيضاً الذين استخدموا تهمة صعبة البلع كهذه "مكبرين"، هذه التهمة الأولى نغمة إعلامية حاولت من خلالها جماعة الإخونج في اليمن وسلطة عفاش إقناع العامة بها لأجل الكفر بمنهج السيد حسين والتشكيك بصدق نواياه، ودعت من خلالها عساكرها والقبائل إلى الدخول في أتون حرب مع أنصار الله في صعدة بطريقة صادمة جداً لأجلها، إنها تهمة ليست إلا على وزن تهم كثيرة ظهرت كـ"المتمردين، والمتبردقين، والانقلابيين، والإرهابيين، والمجوسيين، والكهنوتيين، والإماميين.. إلخ".
واليوم، ما من أحد يعرف الأسباب التي دعت إلى الحرب على اليمن يجهل بالأساس أن الصرخة كانت سبباً من ضمن ذلك، إن من أسباب شنهم حرباً عدوانية علينا هو أننا نصرخ، فهل نعرف ذلك عن حق؟ نصرخ أمام الجميع، وبلا أي خوف، وفي وجه أمريكا و"إسرائيل"، نصرخ بتحمس يليق به تحلية شوائب القلق الثوري فينا، نصرخ نيابة عن كل أحرار العالم الذين لا يجيدون العربية والذين لم تصلهم بعد الترجمة الواقعية للصرخة.

أترك تعليقاً

التعليقات