تعز أم فرن؟!
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -
لقد تخلت كائنات الثورة الأولى والأكثر حماسة في تعز عن قيم ومفاهيم ثورية نبيلة المعنى، وباتت خطابات وشعارات الثورة -كواقع مغالبة ودفاع عن النفس البشرية وحقوقها- أشبه بالجري وراء مطالب وأمور قصدية وذات رجاء. إن السيئ بالنسبة لأي كائن ثوري هو واقع الترجي من السلطة ومماشاة الوضع. كما أن السيئ لأي ثورة بالقياس لجمهورها ومندفعيها عدم تغيير الواقع عن طريق المغالبة. إن الثورة ما لم تقلب الطاولة وتعيد ترتيب وضعها مرة أخرى ليست ثورةً حقيقية، أي أنها لم تغلب الفساد ولم تسحق تفاصيل ومراكز تواجد نمو إخصاباته الصاعدة بشكل نهائي.
في تعز، ظهرت ثورة سميت "ثورة الجياع"، وهي تسمية تنم عن واقع تحطيم وكفر بالفساد، وتنم أيضاً عن واقع غضب وجنون وفناء مع أصحاب السلطة الذين سرقوا لقمة المواطن الجائع. ولكن اليوم في تعز واقع الثورة يختلف عن تسميتها، إذْ إن الجوع الكافر الذي يتفوه البعض به، يبدو أنه في تعز ليس كذلك، ليس كافراً شيئاً، ولا حتى مسلماً شيئاً، إنه منافق بالدرجة الأولى وبأشياء كثيرة، وهذا هو الأخطر. الجائع الثوري متراجع، أبطأ من أن يصل إلى ما يريد، وهذا ما يجعل من حضورية تواجده مجرد حضور وتواجد صوتي وشعاراتي مبلول بالإعداد والتقديم لمن جهز حدث انطلاقة الثورة هذه.
إن الثورة التي أقصى مطالبها توفير لقمة العيش والحصول على الخبز كحق طبيعي، ليست ثورة، لكن من يفهم من إخوتنا في تعز ذلك؟! الثورة هي حلم، حلم حتى تتحقق الحرية، وحرية حتى يُعاش نعيمها، فالحرية مطلب رئيس وعمود قيام أي ثورة عبر التاريخ. الثورة في تعز إن حدث لها فعلٌ ثوري، فإنها ستكون أعظم ثورة في العالم، لأنها سترمي بجحيم غضبها ضد الاستعمارين القطري والتركي وضد ثقافة التقتيل والمناطقية التي نمتها جماعة الخونج هناك. فالثورة لا تقوم ضد سلطة الفساد فقط وإنما ضد ثقافته أيضاً، وهكذا يجب أن تكون أينما توجهت.
إن مشكلة الثوري الجائع لدى "ثورة الجياع" في تعز أنه أكل الكثير، أكل "عيش وملح" مع السلطة الخونجية هناك، واليوم يريد أن يخون العيش والملح بطريقةٍ ثوريةٍ، ويريد أن يخرج إلى الشارع بصورة الجائع! لقد أكل الكثير وأكلته السلطة الكثير، لقد أكلت السلطة حتى دمه برصاصات جماعات "غدر" و"غزوان" و"حمود صورني" و"أبو العباس". إنها مدينة الخبازين الكُثر ومدينة الأفران الكثيرة، خبازون سياسييون وآخرون ثقافيون، وخبازو الإعلام المتلفز والشائعات، وخبازو الموت العسكري، أيضاً خبازو الدعارة والمخدرات والتشهير لها والمتاجرة بها، خبازو الدعاية الغازية، وخبازو الثقافة المناطقية، وخبازو الرعب اليومي... فهل هذه تعز أم فرن خباز كبير؟!

أترك تعليقاً

التعليقات