«التصبين»!
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -

لا أدري كيف صار "التصبين" مفهوما وأسلوباً متعالياً، بل كيف صار لعبة وأداة للقذرين في الغزو، وفي ترطيب صخرة الشعب المواجهة، وإخماد جذوة التوق إلى ما يصبو إليه في سبيل حريته، وأيضاً في سبيل إثبات نفسه وحقه ووجوده، وكذلك في سبيل تعريف نفسه داخل حضارته وثقافته ودينه، لا خارجها، كما يحدث اليوم لتلك العقول المتنصلة، التي تهرم حياتنا بثرثرة مملة جداً، وبتسطيح قمة في الغباء، بل وبقطيعة ادعائية، لا أدري حقاً!
كل ما في الأمر أن ثمة خططاً جاهزة لغزونا من قبل الغرب، وثمة نقص توعوي بهذا الخطر، تفكير متفاوت لدى هذا الشعب، يُنشز عالم خيالاتهِ بمعرفة الخطر القادم، ويجزئها، ويجعلها أيضا بين بين. إنها شديدة المحايدة والتعطيل، بل إنه يغربها عن الواقع، كذلك تنظيمات إرهابية موزعة كفقرات العمود "الإستبني" على طول هذا الوطن العربي، وسياسة سوقية بائعة للحق، ودموع شعبية مالحة الضمير، وثورة تنقصها الإرادة، وفبركات، إلى ما هناك من اللاحدود التي تقفز فوق العقل والقلب معاً!
قبل أيام قليلة، هنأت الأنظمة العربية بايدن، وبتعبيرات جد تلميحية تحت خط "العمل معاً". التلميحات عنصر سياسي بدائي لقيام أي علاقة خطيرة. وقد لا تكثر التلميحات إلا في المنظومة السياسية النشاز، وبالأساس في نظام التعامل الدولي. ولقد جرى التطبيع الإماراتي وأكثر منه السعودي على نحو من هذه التلميحات، ثم بدأ على نحو عملي ولكنه سري، إلى أن وصل إلى درجة من الفضيحة. لم تكن "إسرائيل" تخفي عن شعبها كل ذلك، وإن أخفت الدول العربية ذلك، لأن الأولى كان التطبيع بالنسبة لها مشروعاً، وإنجازاً يعبر عن تفوق سياسي حديث وغازٍ لفرض نفسه. أما الثانية (الخليجية)، فلم يكن التطبيع يعني لها سوى كسب يد "إسرائيل" القذرة في "تصبين" الإسلام النظيف، وفي "تصبين" المقاومة الفلسطينية النظيفة، وفي "تصبين" اليمن من شعبه النظيف حد تاريخه وعمقه الحضاري، وهذا ما تصبو إليه "إسرائيل" بمشاركة الأنظمة العربية المطبعة.
في النظام السابق، نظام "عفاش"، كان الشعب يمر بأسوأ مرحلة "تصبينية"، حالة من التعيين الوظيفي القائم على الزبونية، وحالة من فتح قنوات التواصل بين شخص الرئيس والمشيخات الكُثر، وحالة من الضخ الإعلامي المُترف بالمعاني التدبيجية لمشاريع وهمية وغير متحققة على أرض الواقع، وكذلك تلميع مُبكر لأفكار مسربة كالغاز الخانق المنبثق من ثقب جمجمة الشخص الرئيس بكل أريحية فاهنةً، ولا يضر ذلك كله سوى الشعب، الذي هو الآخر كان يؤدي دوراً شبيهاً بجمهور المسرح، وهو يصفق حد تساقط أنامله في ميدان السبعين.
إن أسوأ احتمالات "التصبين" دوماً ألا يساهم في التنظيف -بعد طول الفرك- الرؤى الخارقة للسيادة الوطنية والتوقعات التي ماتت منذُ النطق البدائي والأولي بها، ومازال يروج لها إعلام المرتزقة حتى اليوم، ويجري التعامل معها بنوع من الحياة، أو بنوع من التفاؤل والتفاعل، دليلاً على قمة القذارة التي وصل إليها هذا "التصبين". حكومة المرتزقة ضيقة الذهن والرؤية، سياستها الدافعة والخالقة للحلول الميتة في بداياتها، لم تساهم إلا في "تصبين" الإنسان اليمني الذي يقع تحت سيطرتها، لدرجة أن الإنسان هناك صار ليس فاقد الثقة بها فقط، بل صارت تسكن روحه العدمية، لفرط تغريبه عن المشهد الحقيقي. اتفاقيات كثيرة، وحروب متكررة بين فصائل المرتزقة التابعة لأطراف العدوان، وحالة من اللااستقرار، وعملة منهارة، وغلاء معيشة، ونشاط متواصل لتهريب المخدرات، وفراغات انتقالية وإخوانية وداعشية تملأ المدينة من لا شيء... لا يؤكد هذا كله إلا قذارة المشروع التخريبي الداخلي، وضحالته أيضا، وعمله لصالح دول استعمارية، ومع ذلك كله مازال إعلام المرتزقة يأمل بجديد الاتفاقيات.
هناك "تصبين" ثقافي أيضاً، شدةً في اللاوعي وعدم احترام عقل القارئ، وشدة في التفلسف الممل، وترجيع المقولات المشدودة إلى الغرب. في "شارع المطاعم" في صنعاء يتواجد بعض هؤلاء. عقول كبيض الدجاج، سهلة التقشير والكسر. أكثرهم حديثاً مع الآخرين تقوم بنيته الحوارية على مقولات، قلقلة ممطوطة حد النشفان. قال بوكوفسكي... وقال بورخيس... وقال ماركس... وقال محمود درويش... وقال المقالح... و… و... الخ، مقولات يقوم البعض بنقلها إلى آخرين، وفي مكان آخر ربما، وهكذا يكتفي البعض بهوامش ثقافية، هوامش تنقيط في صفحات بيضاء، قد لا تعني شيئاً أيضا، وليس لها أي معنى وظيفي لحاجياتنا المعرفية، ولثقافتنا القرآنية العالمية.
إن حالة "التصبين"، حالة قائمة لكل ما جرى سابقا، ولكل ما يجري الآن، ولكل ما سيجري في الغد ربما. "إسرائيل" هي يد العالم القاتلة وأمريكا أناملها. وبلا شك، فإن قطع هذه اليد سيسهم في صنع مستقبل أفضل لهذا العالم المأهول ببشره.

أترك تعليقاً

التعليقات