أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / لا ميديا-

تأتي الذكرى الـ29 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية هذا العام، واليمن يمر بمراحل ومنعطفات كبيرة، فهو يعيش مقطع الجغرافيا؛ فجنوبه تحت احتلال إماراتي أمريكي متعدد الجنسيات، ومليء بالمليشيات التي تعتاش على القتل والسطو على المواطنين، مرورا بمحافظة مأرب الغنية بالثروات، والتي جعل منها الاحتلال وكراً للتنظيمات الإرهابية، وملاذاً لها، وبين جغرافيا يسيطر عليها الجيش واللجان أخذت على عاتقها مقاتلة العدوان وأعجزته خلال 4 أعوام عن إركاع اليمنيين وإخضاعهم رغم المجازر الكبيرة التي يرتكبها في صفوف المدنيين وتحشيد العالم عسكرياً ومالياً وسياسياً لاحتلال اليمن..
نعم، تأتي ذكرى عيد الوحدة وقد تم إفراغها من معناها كقيمة وطنية ودينية ومعنوية، وتحويلها إلى وحدة المال والثروة، وللأسف قد تمت تغذية الشارع الجنوبي وفقاً لهذا الأساس بعد أن آمن جزء كبير من النظام السابق بهذا المفهوم، واعتبرها وحدة المغنم والبسط على الأراضي.. وبتلك التصرفات تم تغيير الوجه النقي والمعنى الحقيقي للوحدة، ووفقاً لهذا الأساس، وبناء على هذا المشهد، بدأ تجار السياسة وبإيعاز الأجنبي بفرض مشاريع مشوهة للانتقام من الوحدة أولاً ولتنفيذ الاحتلال الناعم ثانياً، وبهكذا نهج يتم تمزيق النسيج الاجتماعي وتقسيم اليمن الكبير إلى كنتونات تتصارع في ما بينها، بينما يتفرغ الحلف الأمريكي لبسط نفوذه على الثروات والبحار.
ثمة منغصات مرت بها الوحدة اليمنية منذ تأسيسها، وأولها جوهر التوقيع على الوحدة، خلق القرار من رحم سياسي هدفه الهروب من الواقع الذي عاشه أبناء الجنوب، وهو واقع يسوده التقاتل، إلى جانب انهيار الحليف والراعي للنظام في الجنوب، والمتمثل بالاتحاد السوفيتي، ما دفع بالأمور للتوقيع على الوحدة التي كانت بلا شك مطلب كافة اليمنيين، وحقاً تاريخياً لا جدال فيه، ولكن التوقيع لم يغص في التفاصيل التي يمكن أن تعكر صفو الوحدة، وما إن حل صيف 1994م إلا وظهر تأثير تلك التفاصيل إلى العلن، فارتفعت أصوات البنادق على أصوات السياسة والمنطق، ودخلت الوحدة في أول التحديات، رغم انتصار رايتها في تلك المعركة وإسقاط دعاة التشطير، كون الجميع هب لنصرتها، وكان الجنوبيون في معركة الدفاع عنها هم دعائم النصر ومحوره يحدوهم أمل في مستقبل لا يجر الماضي ولا يستدعي التاريخ المأزوم، لقد نجحت الوحدة في الاختبار الأول، غير أن النجاح لم ينعكس إيجاباً على أبناء اليمن، وكانت تصرفات البعض من أقطاب النظام السابق تجاه الجنوب واستغلال أراضيه واحدة من إرهاصات التحديات اللاحقة التي واجهتها الوحدة..
كان أول الأخطاء الاستراتيجية التي انتهجها النظام المنتصر، هو القضاء على الحزب الاشتراكي وإضعاف دوره في الحياة السياسية رغم أنه الواجهة الحقيقية لأبناء الجنوب، ومن خلاله كان يمكن تبني القضايا الجنوبية من زاوية سياسية، باعتباره الصوت الذي يتنفس من خلاله أبناء الجنوب، لكن إضعافه وتهميشه أفرز واقعاً مغايراً، وبدأ الجنوبيون يعبرون عن أنفسهم عبر طرق مناطقية بعد أن سدت الطرق السوية الحقوقية والسياسية أمامهم، والمتمثلة بالحزب الاشتراكي، وعلى إثرها ظهر الحراك الجنوبي كحامل للقضايا الجنوبية، ومعبر عن إخواننا في الجنوب، ولكن للأسف من باب مناطقي وأهداف مثقلة بحلم العودة للتشطير..
لم تتم معالجة الواقع الجديد والالتفات لما يعتمل في الجنوب بشكل جدي وحاسم، بل اعتبره بعض النافذين في النظام السابق فرصة للاسترزاق مادياً وسياسياً، وهو ما تم بالفعل..
لقد جاءت أحداث الربيع العربي لترسم واقعاً جديداً مليئاً بالمشاريع الداخلية والخارجية، تأثر منها أبناء اليمن الجغرافيا والإنسان.. فلقد تم إسقاط النظام والذهاب إلى المجهول.. مجهول بملامح واضحة كحالة فريدة في تاريخ الأوطان.
سعى أنصار الله كجماعة ناشئة الى اعادة ضبط الواقع بما يتماشى مع المصلحة الوطنية، وإيجاد ضوء للخروج من المستنقع المجهول، فما إن تم الإعلان عن مؤتمر وطني للحوار الوطني سارعت الجماعة للمشاركة فيه، وبرز نجمها، وكسبت شعبية كبيرة بسبب تبنيها للقضايا التي يحتاجها اليمن بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وهنا تكمن التفاصيل! وحدثت المواجهة مع أصحاب المشاريع الضيقة المؤيدة من الخارج، والمعبرة عن طموحاته في احتلال اليمن وتقسيمه..
مثل مؤتمر الحوار محاولة سياسية لقوى العدوان لينفث من خلاله سمومه لتمزيق اليمن، لكن صلابة الموقف الوطني لأنصار الله أفشل المشروع، ما دفعهم الى التعبير عنه في عدوان عسكري تم تدشينه فجر الـ26 من مارس 2015م، وتم احتلال الجنوب بالقوة وفصله عن الشمال. غير أن اليمنيين التفوا حول جماعة أنصار الله التي تبنت الدفاع عن اليمن الأرض والهوية، وبقيت حتى اللحظة درعاً واقياً وأمل الشرفاء من المهرة إلى صعدة في قيادة معركة الشرف وطرد الاحتلال والحفاظ على وحدة الوطن وبناء دولة يمنية حديثة.
دور أنصار الله ومعهم الجيش واللجان الشعبية والأحرار في التصدي للعدوان في الجبهات لم يمنعهم من صياغة رؤية وطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة بمشاركة كل أطياف المجتمع من أكاديميين وعلماء وأحزاب ومنظمات ومؤسسات حكومية وأهلية، وتم تدشينها تحت شعار "يد تبني ويد تحمي"..
إن المنعطفات والشوائب والمنغصات المرافقة للوحدة اليمنية، والتي يزرعها المحتلون في طريق اليمن الكبير، لن تفلح، وسيحتفي الشعب كل الشعب في عيد الوحدة عما قريب، الوحدة التي لا تستثني أحداً ولا تظلم أحداً، وهي مصدر للعزة، ومنجز يستطيع من خلاله اليمن القيام بدوره في المنطقة والعالم.. لا وحدة يستفيد منها أشخاص، ويعتبرونها مصدراً للثراء..
كل عام واليمن الكبير في استقرار ورفعة وسيد نفسه وصمام أمان للعروبة والإسلام...

أترك تعليقاً

التعليقات