العدوان بين النائمة والناعمة
 

أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / لا ميديا -

أثبتت الأحداث التي تلت ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر أن الوعي الجمعي للشعب اليمني إيجابي ومثل صخرة كبيرة في طريق محاولة من أراد تمرير مخططات ضد اليمن. ومن تلك الشواهد: 
الأول: الصلة الوثيقة بين الأمن والمجتمع، حيث انسحب الحس الأمني على أفراد المجتمع، ليقينهم أن العدوان لديه الكثير من الوسائل المتنوعة لاختراق المجتمع وتدجينه لمصلحته، فمنذ بدء العدوان وحتى الآن نشاهد الإقبال على الجبهات وعلى الساحات المنددة بتحالف العدوان، بينما كان المتربصون باليمن يحاولون إخراج مظاهرات ومسيرات تزعزع الأمن وتخدم أجندتهم تحت مبررات عديدة هيئوا لها، كانقطاع الرواتب مثلا، وعندما فشلوا في ذلك ادعوا أن المجلس السياسي الأعلى وحكومة "الإنقاذ" تكتم على أنفاس أبناء الشعب ولا يستطيعون التعبير عن غضبهم، وما إن حدث مقتل عبدالله الأغبري خرج البعض للمطالبة بسرعة القصاص كحق ومطلب، ولم يكن لـ"الإنقاذ" و"السياسي الأعلى" أي تحرج، لم يقمع الناس ولم يرُهبوا كما ادعى مرتزقة العدوان، فلقد برهنت حادثة الأغبري على أن الشعب يعرف متى يخرج وبماذا يطالب. هذا أولاً.
كما أثبت حادثة مقتل الأغبري أن الأجهزة الأمنية قوية واستطاعت التعامل مع الأحداث منذ قيام ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر 2014، بنجاح واقتدار، رغم المعوقات التي تسبب بها العدوان، فلقد أحبطت كل المؤامرات ومحاولات التخريب وزعزعة الطمأنينة، بشكل منقطع النظير. ولأن العدوان يحاول الاستفادة من أي حدث في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش واللجان الشعبية وتجييش الناس على أساس مناطقي وطائفي يصب في خدمته، بدأ يروج وينظم لمسيرات ظاهرها المطالبة بالقصاص وباطنها خلق ثغرة لتفتيت المجتمع وإيجاد صراع يسهل مهمته في غزو واحتلال المحافظات المحررة كهدف عام، ومن الأهداف الثانوية سرعة القصاص والتخلص من أشخاص مرتبطين بالعدوان قد يؤدي التحقيق المطول معهم لكشف الكثير من خلاياه النائمة والناعمة.
لقد وصلت رسالة المجتمع الغاضبة من الجريمة التي لا تمت للعادات والأعراف والقبيلة اليمنية ولا للدين الإسلامي بأي صلة، لكن أن تستمر الدعوة لمسيرات والتدخل في شؤون القضاء فهو أمر يبعث على التساؤل، وما حادثة الأغبري إلا قميص عثمان، ألم يكن الأحرى التجمهر احتجاجا على الاغتصابات التي حدثت في مناطق سيطرة المرتزقة والمحتلين؟! بل أليس من المهم أن نسمع العالم مدى غضبنا من التصرفات اللاعادلة للأمم المتحدة وهي تتماهى مع العدوان وتمنع دخول المشتقات النفطية التي بانعدامها تم إغلاق المستشفيات ومراكز الأوكسجين وتعطيل حياة 25 مليون مواطن؟! لسنا هنا ضد المطالبة بالقصاص من قتلة الأغبري ومن معهم، لكن لسنا مع تحويل الحادثة واستخدامها لمصلحة العدوان الذي يستهدف الأرض والإنسان والهوية.
لا ينكر دور ثورة 21 أيلول/ سبتمبر في التعاطي الإيجابي مع قضايا المجتمع وما يلامس الناس بشكل مباشر إلا جاحد. يكفي أن تكتب منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي ترصد حالة أو سلبية إلا ووجدت صداها يصل إلى المعنيين ويتم التعامل معها ويخرج من يعقب أو يوضح.
هل تذكرون قضية مقتل الطفل أكرم عطران في مدينة إب، والتي تحولت إلى قضية رأي عام، وكيف تم القصاص من عبدالله الديلمي في بعد أن أخذ القضاء مدته الزمنية الكافية؟! هل تذكرون ما الذي قيل سابقا في حق نقطة "أبو هاشم" في رداع، وكيف تم التعامل معها؟! هل نسينا كيف حاول الأنصار تحديدا حماية الريال من الانهيار بعد الطباعات المتكررة للعملة الجديدة؟! هل نسينا كيف تجاوب "السياسي الأعلى" مع قضية الإيجارات، وكيف صدرت التوجيهات، والآن يتم إصدار لائحة أو قانون بهذا الخصوص؟! التجاوب موجود، وإن حدث بعض التباطؤ في التنفيذ في هذا الخصوص. هناك الكثير من القضايا التي تلامس المجتمع بشكل مباشر يتم التعامل معها بمسؤولية عالية. ولكن تبقى هناك قضايا ترتبط بالعدوان، والتعامل معها يجب أن يكون بحرفية بعيدا عن العواطف وعن أي تدخلات أخرى.

أترك تعليقاً

التعليقات