من ينقذ توجيهات «الإنقاذ»؟
 

أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / لا ميديا -

على امتداد الجغرافيا الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ تضاعف عدد السكان بشكل ملحوظ، وذلك بسبب الأمن المفقود في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الاحتلال، وبالتالي هجرة الكثير من أبناء تلك المناطق إلى مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية. ومع تضاعف السكان وتواصل العدوان برزت مشاكل اجتماعية كثيرة، منها: ارتفاع أسعار إيجارات العقارات السكنية وغيرها بشكل جنوني في ظل عدوان وحصار وانقطاع الرواتب، فكيف تعاملت حكومة الإنقاذ معها؟
خلال السنوات الثلاث الأخيرة للعدوان بدأت المضاربة بأسعار العقارات، خصوصا السكنية، بشكل ملفت ومخيف، للحد الذي جعل عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، يربط الأمر بالعدوان، حيث غرد على حائطه في "تويتر" قائلا: "ارتفاع مبالغ إيجار العقارات غير المسبوق مفتعل ومتصل بالتحالف وسعيه لإحكام الضغط على المواطنين باتجاه الانفجار".
هذه المشكلة تمت مواجهتها ببعض توجيهات؛ غير أن أغلبها لم تلق صدى، خصوصا تلك الصادرة من أعلى هرم السلطة.
ففي ديسمبر 2019 وجه "السياسي الأعلى" الجهات المعنية بوضع آلية مناسبة بشأن الإيجارات وارتفاعها بما يحفظ حق المؤجر والمستأجر ويمنع الجشع الذي يمارسه البعض مستغلاً نزوح المواطنين جراء العدوان والحصار المفروض على بلادنا. غير أن ذلك التوجيه لم ينفذ حتى اللحظة.
كان توقيت التوجيه متزامنا مع مخاوف المستأجرين من دخول العام 2020 وفرض زيادة جديدة في الإيجارات، وهو ما حدث، فما إن بدأ العام حتى حدثت زيادة في الإيجارات واستمرت الزيادات حتى تحولت إلى ابتزاز لدى البعض، إذ يتم مطالبة المستأجر بدفع زيادة في الإيجار كل شهرين أو ثلاثة أو الطرد.
وقد سجلت الارتفاعات نسبة مهولة وجنونية تصل بعضها إلى 300%، فكل من يتم طرده يتم استبداله في اليوم ذاته وبالسعر الذي يقرره صاحب العقار.
وبدأت الانعكاسات السلبية لهذه المشكلة تظهر بشكل تذمر من قبل المواطنين في الشوارع والمقايل، وقامت بعض وسائل الإعلام بطرح المشكلة والنزول الميداني وتحققت من كارثة سكانية يتم التحكم بها من قبل العدوان قابلة للانفجار.
وفي ديسمبر 2019 أصدر وكيل أمانة العاصمة لشؤون الأحياء تعميماً قضى بعدم رفع الإيجارات أو التأجير بالدولار، ولكن ذلك التعميم لم يتحول إلى واقع ملموس، فبعض أقسام الشرطة أو عقال الحارات لم يعملوا بتلك التوجيهات؛ إما لعدم الوعي وإما لعدم وصول تلك التوجيهات إليهم، وبقيت أقسام الشرطة مكتفية بالرد على كل من يصل إليها مستغيثاً من المؤجر بالقول: "هذا ليس من اختصاصنا وإنما من اختصاص المحاكم".
وهنا تبدأ تفاصيل المتاهة التي تنتهي بخروج المستأجر مقابل إعفائه من إيجار شهر أو شهرين، رغم توجيهات وزارة العدل للقضاة في أبريل 2017 بمراعاة ظروف الموظفين المستأجرين ممن تأخر صرف رواتبهم نتيجة العدوان.
وقبل أيام أصدر مدير عام مديرية الثورة توجيها كان أكثر وضوحا وأكثر ملامسة للمشكلة، وقد نجح في جعله واقعا على الأرض في المديرية. وتضمن التوجيه عدم إخراج المستأجر من مسكنه مهما كانت المسببات، إلا إن كانت لغرض استخدام شخصي للمؤجر؛ ولكن بشروط محددة منها كتابة التزام خطي بعدم تأجير العقار (الشقة) للغير، وتحمل غرامة قد تصل إلى مليون ريال، كما جاء في التوجيهات.
غير أن المشكلة التي قد تواجه مثل هذه التوجيهات هي مسألة التلاعب بمفهوم الغرض الشخصي ومدة الالتزام، فالالتزامات غالبا تكون لـ3 أشهر، ثم يتم تأجير العقار بسعر مضاعف يعوض به المؤجر في شهر واحد فقط مدة خلو "الشقة"، فمثلا إذا كانت الشقة بـ30 ألف ريال يتم إخطار المستأجر بالمغادرة مع التزام المؤجر بعدم تأجيرها لآخر، وبعد مضي ثلاثة أشهر يقوم بتأجيرها بـ80 ألف ريال أو أكثر، كما أن البعض هذه الأيام يقومون بالتأجير بالدولار، رغم التوجيهات الصادرة بعدم التأجير بعملة الدولار.
مجلس النواب، وخلال جلسات انعقاده للفترة الحالية، ناقش قبل أيام مسألة العقارات ومشاكل الإيجارات، وتقدم أحد النواب بطلب حضور وزير الأشغال للرد على بعض الاستفسارات الخاصة بالإيجارات، غير أن الوزير مريض وهو خارج الوطن، ورغم ذلك فإن نائب الوزير لم يحضر حتى اللحظة، ولم يتم وضع آلية رغم مرور 7 أشهر على توجيهات المجلس السياسي بهذا الخصوص.
مع تفاقم أزمة الإيجارات وتباطؤ حكومة الإنقاذ في إيجاد الحلول بدأت جهات بوضع رؤى وتصورات، وآخرون بدؤوا بإنشاء كيان نقابي خاص بالمستأجرين في محاولة لمساندة الحكومة التي تقف عاجزة حتى اللحظة ولا تملك سوى توجيهات لا تحمي المستأجر من بطش المؤجر ولا تمنع رمي عفشه وأولاده في الشارع.
ويبقى الأمل معقوداً بإيجاد قانون جديد للإيجارات يحل المشكلة القائمة ويراعي الظروف الراهنة، وهو ما لم يحدث. أما التوجيهات فليست ذات فائدة، لأنها لا تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع.



أترك تعليقاً

التعليقات