صراع الأدوات
 

راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا -

أعادت القوات السعودية المحتلة انتشارها في أرخبيل سقطرى على خلاف ما تناولته القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية الأسبوع الماضي عن انسحاب تلك القوات، مما يؤكد أن ما يجري في جزيرة سقطرى لا يخرج عن إطار الأدوار المتبادلة بين قوى الاحتلال وأدواتها لتكريس هيمنتها على المحافظات الجنوبية، بما فيها سقطرى، ضمن الأهداف الواسعة التي جاؤوا من أجل تحقيقها تحت راية إعادة "الشرعية" المزعومة.
سقطرى تمثل لتحالف العدوان الإماراتي السعودي المكان المناسب لبناء قاعدة عسكرية واسعة توفر للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الخدمات الواسعة لمواجهة الطموح الصيني - الروسي الذي يتوسع وبشكل أكبر في سياق مخططات كبرى للهيمنة على المنطقة وتنفيذ المشروع الاقتصادي الاستراتيجي الكبير المسمى "طريق الحرير".
جاء العدوان على اليمن لتحقيق أهداف متعددة، منها خاصة تتعلق بمصالح الدول المشاركة فيه كالسعودية التي تبحث لها عن منفذ بحري لتصدير النفط بدلا من مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران، واجتزاء مساحات واسعة من الأراضي اليمنية لضمان حماية أمنية أكبر لها من الخطر الذي يشكله اليمن على أمنها واستقرارها كما تدعي منذ عشرات السنين، بالإضافة إلى استمرار وصايتها على اليمن واليمنيين... وللجانب الإماراتي أهداف أخرى خاصة به، ومنها السيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي وسقطرى وأكثر من جزيرة يمنية مثل ميون، تضمن لدبي أن تظل الرائدة والمسيطرة على حركة التجارة الاقتصادية في المنطقة والقرن الأفريقي، ولاسيما بعد بروز مشاريع اقتصادية عملاقة في المنطقة.
حلت قوات سعودية إلى جانب الوجود الإماراتي، أي أن الحديث الذي كان يتردد حول الانسحاب من سقطرى لم يكن إلا مسرحية تندرج في إطار توزيع الأدوار بين حليفي الاحتلال، ووفقاً لما يحدده الأمريكي والبريطاني. أما قيادات ما تسمى "الشرعية" و"المجلس الانتقالي" -كما يتضح بشكل مستمر- فإنهم ليسوا إلا أدوات لخدمة أطماع وأجندة الممولين في الرياض وأبوظبي.
إجمالاً، ليس هناك من تفسير إلا ترك المحافظات الجنوبية في حالة فوضى تمهد لاستمرار الصراعات بين الأدوات، وتدفعها للانتقال إلى مستويات قبلية ومناطقية، لإشغال أبناء هذه المحافظات عن الالتفات إلى حقيقة مخططات الاحتلال.؛ وإلا فكيف نفسر التدمير الممنهج للبنى التحتية وتدهور الحياة المعيشية والخدمية في هذه المحافظات التي تحاول دول التحالف والمجتمع الدولي إظهار ما يحدث فيها من صراعات على أنه بين أطراف يمنية للهروب من استحقاقات احتلال التحالف السعودي الإماراتي للمحافظات الجنوبية؟!
هناك من يتحدث عن صراع بين طرفي العدوان (السعودي الإماراتي) في المحافظات الجنوبية، وخاصة في سقطرى وعدن وحضرموت. ويغفلون عن أن هناك تماهياً كبيراً في مواقفهما المعتملة في هذه المحافظات، وكلاهما ينطلق من التوجه العام للولايات المتحدة وبريطانيا وأهدافهما الواسعة من سيطرتهما على عدن وسقطرى والساحل الغربي وخاصة جزيرة ميون وباب المندب.
هناك صراع بين أدوات العدوان حول السيطرة على المحافظات الجنوبية، وهذا الصراع لا يخرج عن الأجندة الكبرى لتحالف العدوان وحلفائهم الاستراتيجيين. ويكذب من يدعي من الأطراف المتصارعة أن هدف كل منهم تحقيق أجندة خاصة به، كرفع راية الانفصال، وبالمعنى المخفف استعادة الدولة التي كانت قبل الـ22 من مايو 1990. ويكذب أيضاً من يقول إنه يدافع عن بقاء اليمن موحداً.
ويبقى التعويل على أبناء هذه المحافظات، بعد سنوات المعاناة تحت نير الاحتلال وأدواته، في مواجهة كل ما يجري، بعد أن وصلوا إلى وعي حقيقي بأن الحرب العدوانية على اليمن لا علاقة لها باستعادة شرعية مزعومة، بل هدفها تدمير اليمن وإبادة اليمنيين. وموقفهم هذا سيحدد مستقبل هذه المحافظات واليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات