لا مفرَّ مِن الفرز بين تيَّارين
 

علي كوثراني

علي كوثراني / لا ميديا -
ما يحدث في إيران يُثبت مجدداً أنَّ كسر الهيمنة الغربيَّة ومرتكزاتها في منطقتنا ضرورة بقاءٍ، وأنَّ التعايش معها سمٌّ قاتلٌ، وأنَّ المسموم بها لا يملك ترف الانتظار إن أراد أن يبقى حياً؛ ومِن هنا نفهم حقيقة التموضعات السياسيَّة الممتددَّة من طهران إلى جنوبيِّ بيروت، إذ نعود إلى حقيقة الرهانات السياسيَّة التي بُنيت عليها هذه التموضعات.
فليس هناك مدلول سياسي واضح لأيٍّ مِن كلمتي «أصولي» أو «إصلاحي»؛ ولكن عندما نقارن بين الرهان على الذات لبناء الدولة السيِّدة والعزيزة والقادرة، وبين الرهان على مقايضة السيادة والعز والقدرة («التسوية» بحدِّ ذاتها كلمةٌ ملطَّفةٌ ومضلِّلةٌ، ناهيك عن كلمة «الاتِّفاق») مقابل وظيفة الناطور في الإقليم لصالح الغرب، بالإضافة إلى بيع الخامات له لإدخال العملة الصعبة واستيراد السلع منه لتبذيرها، وكذلك عندما نقارن بين مَن وصل الليل بالنهار وقدَّم دمه وعياله لتحرير البلاد والعباد، وبين مَن نصب كرسيّاً فوق جبل التضحيات هذا كمدخلٍ إلى لعبة استلامه للطائفة بعد فلان واستلام الطائفة لمجد لبنان بعد الموارنة والسنَّة، سوف نفهم الكثير.
سوف نفهم حينها أنَّ الصراع ليس بين التراث والإصلاح، ولا بين الفساد ومكافحته. وسنفهم سبب شدِّة عداء التيَّار الأوَّل للغرب وسبب تواطؤ التيَّار الثاني معه منذ ما قبل «الربيع العربيِّ» وحتَّى ما بعد «ثورات» العراق ولبنان وإيران هذه. وسنفهم أنَّ حقيقة الانقسام هي بين التحرُّريين وأتباع الهيمنة... بين المضحِّين والبيَّاعين.
وحينها فقط يمكن لنا أن نعيَ مَن/ ماذا يمثُّل سليماني في إيران، ومَن/ ماذا يمثُّل ظريفٌ فيها، ومَن/ ماذا يمثِّل رضوان وذو الفقار في لبنان، ومَن/ ماذا يمثِّل مَن نظَّر لـ«فوضى تشرين» فيه، وأن نعيَ التناقض الحادَّ بين التيَّارين من جنوبي بيروت إلى طهران، بالرغم مِن الكلام المنمَّق والدبلوماسيَّة: تيَّار الثوَّار ضدَّ الهيمنة وتيَّار الظرفاء في مجلسها.
* كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات