لِمَ يفشل الباتريوت ومستخدِموه؟ 2-2
 

علي كوثراني

علي كوثراني -

لم تَبتُر الغارةُ اليمنية نصف إنتاج السعودية للنفط فحسب، بل عرَّتْ حدودَ قدرة دفاعها الجوي بالكامل، ودقَّت مسمارا في نعش هيبة الإمبراطورية التي تقف عاجزة، متفرِّجة على شرايينها المقطوعة.
بحسب مصادرَ عسكرية روسية، فإن حدود السعودية الشمالية محميَّة بـ 88 قاذفة باتريوت: 52 منها من نسخة PAC-3، و36 من نُسخة PAC-2. يعادل ذلك 3 كتائب بحسب التعريف بالكتيبة الذي ورد في الجزء الأول من المقالة. تنتشر هذه الكتائب الثلاث قرب الكويت وقطر والعاصمة الرياض، بينما تنتشر الثلاث الباقية بمحاذاة البحر الأحمر، قرب الأردن، ومدينة مكّة واليمن.
الأمر الذي يعيدنا إلى الاحتمالين، بيان الحركة والرواية السعودية. فحتى لو تركنا بيان الحركة، التي بنت مصداقية عالية خلال سنوات العدوان، وصدَّقنا رواية السعودية، التي عادة ما تتجاهل الضربات أو تنفيها حتى تخرج الفيديوهات لتثبتها، فتعود علينا برواية أسخف من النفي... إلى أين سيقود ذلك؟
سوف يقود إلى إثبات أن نخبة الباتريوت السعودي ـ الأميركي قد فشلت برصد الهجوم أساسا، فضلا عن صدِّه. فمن يصدِّق، في ظروف كهذه، أن الرادارات موجّهة نحو اليمن وغافلة عن إيران؟ وماذا إذا علمنا بوجود 7 كتائبَ باتريوت موجهة نحو إيران (3 سعودية، 2 إماراتيتان، 1 قطرية، 1 بحرينية) جُلُّها من نسخته الأحدث، مقابل كتيبة واحدة موجّهة نحو اليمن؟
أما إذا استجبنا إلى نداء المنطق، وصدَّقنا بيان الحركة، الاحتمال الذي يُعمَّى عنه لأنه الأخطر، بأن الغارة يمنية وقد أتت «بعد عملية استخباراتية دقيقة ورصد مسبق وتعاون من الشرفاء والأحرارِ داخل المملكة»، تنفتح أمامنا 4 محاور:
أولاً: فشل الباتريوت رغم كل التحديثات التي أُجرِيَت له، ثبت من جديد، وعلى أقلِّ تقدير، أن معدَّل النجاح الحقيقي للباتريوت هو أقلُّ بكثير مما تدَّعيه التقارير الأمريكية. وإذا تناسينا إفلات الطائرات المسيَّرة والصواريخ من كتيبة قرب اليمن، فماذا عن اختراقها بنجاح موقع «خريص» الذي تحميه كتيبة الرياض؟ وماذا عن اختراق موقع «بقيق»، الأهم في العالم، المغطّى وحده بمظلّات 3 كتائبَ من نُسخة PAC-3؟ أم هو سوء استخدام سعودي لمنظومة الباتريوت الأمريكية؟ وهل أن سوء الاستخدام هذا، وارد أصلا في ظلِّ هيمنتها -أي أمريكا- المُطلقة على كامل قرار السعودية، وكثافة تواجدها العسكري في المنطقة، وإشرافها الحثيث على الأمور المتعلّقة بمصالحها وهيبتها أمام العالم؟
ثانياً: سوء تقدير السعودية رغم عدوانها المستمر منذ قرابة 5 سنوات، وتوالي الضربات الموجعة التي تسدِّدها الحركة إلى الداخل السعودي، نلاحظ أن كتيبة باتريوت واحدة تحمي الحدود مع اليمن! فهل هو سوء تقدير لقدرات اليمنيين؟ أم هو سوء تقدير لجرأتهم؟ علما أن استمرار الضغط المتزايد على محور المقاومة في الإقليم، والعدوان على اليمن جزء منه، يشير إلى ما هو يعلو عن تقدير السعودية نفسها.
ثالثاً: الإمبراطورية المأزومة إينما نظرت في المنطقة والعالم، اليوم، تكاد ألا تجدَ صراعا واحدا يميل إلى كفَّة أمريكا. ومع ذلك، لا تنفكُّ أمريكا عن خوض الصراعات وافتعالها. فهل تخوض أمريكا صراعات غير مدروسة؟ أين هيمنتها شبه الهادئة على العالم؟ أم أن اشتداد شوكة القوى الصاعدة في العالم، واقتسامها للموارد والأسواق مع أمريكا، التي تضخّم اقتصادها بعد أن استفردت بنهب العالم كلّه وخسرت صناعتها لصالح الاستثمار في إفقار الشعوب، لم يبقِ لها إلا القليل لتغطّي عجزها به، لاسيَّما تجارة السلاح التي تنقذها إلى حين، وتحرق أتباعها قبل خصومها؟
رابعا: تشقُّق الداخل السعودي إن إشارة الحركة إلى «تعاون الشرفاء والأحرار داخل المملكة» ليست كلاما يمرُّ مرورا هيّنا، والجالية اليمنية في السعودية تفوق المليون، دون أن نحسب سعوديِّي محافظات نجران وجيزان وعسير المهمَّشين الذين هم يمنيِّو الأصل. أما المنطقة الشرقية، التي عاشت مضطهدة في ظل دولة بني سعود، فلم يتوقَّف غليانها بقطع السلطة رأس علم من أعلامها وجرف أحياء كاملة فيها... إلى ما هنالك من امتدادات قبَليَّة تصل إلى الشام والعراق، وقد لا تكون مريحة إذا زاد حال الهيمنة وأتباعها سوءا في الإقليم.

كيف ينجح غير الباتريوت؟
بخلاف العقلية العسكرية الأمريكي التي تعوَّدت على التفوُّق في سلاح الجو، فمالت إلى التصدِّي للتهديدات الجوِّية بسلاح الجو نفسه، تكيَّفت العقلية السوفييتية/ الروسية العسكرية مع تفوُّق العدو في الجو، وراكمت التكنولوجيا في مجالَي الصواريخ والدفاع الجوِّي المتداخلين، فقلبت المعادلة، ليصل غير القادر على امتلاك سلاح الجو المكلِف إلى أهدافه بصواريخَ دقيقة ومسيّرات من الصعب إسقاطها، ويردَّ سلاح جو عدوِّه عنه بأنظمة دفاع جوِّيّ مقبولة الكلفة.
وفي مجال الدفاع الجوِّي تحديدا، تمكّن الاتحاد السوفييتي/ روسيا من تصنيع أنظمة دفاع جوِّيّ مقتدرة ذات أمْدِيَة مختلفة، وكانت ثمرة مجموع الجهود أن تشبيك هذه الأنظمة بعضها ببعض لفعالية قصوى مضاعفة تقارب إغلاق المجال الجوّي المحمي كلِّيّا.
تخطِّط روسيا لنشر منظومة S-500 البعيدة المدى (المطوَّرة خصِّيصا، وليس حصرا، لصدِّ الصواريخ الباليستية وصواريخَ كروز العابرة للقارَّات، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بخمس مرَّات، داخل الغلاف الجوِّي وخارجه، وإسقاط مقاتلات الجيل الخامس وأنظمة الإنذار المبكّر) حول منطقة موسكو والمناطق ذات الأهمية الإستراتيجية القصوى، وتشبيكها مع منظومة S-400 البعيدة المدى (القادرة على صد الصواريخ التي تفُوق سرعتها سرعة الصوت، وإسقاط الطائرات ذات خاصِّية التخفِّي)، ومنظومة S-350E Vityaz التي ستُستبدَل بها منظومة S-300 القديمة، ومنظومة Pantsir قصيرة إلى متوسّطة المدى، ومنظومة Tor قصيرة المدى، مع منظومة EW للحرب الإلكترونية... فتعمل راداراتها معا بالإضافة إلى رادارات أخرى، وتنظّم الاشتباك مع التهديدات في الأمْدِيَة المناسبة، وبالأسلحة المناسبة من موجات إلكترونية ورصاص وصواريخ.
تجدر الإشارة إلى أن كلّاً من تلك المنظومات قد أثبتت جدارتها وتفوُّقها في مجالها، فالـS-300 غنيّ عن التعريف، بينما نجحت منظومتا Pantsir وEW المنتشرتان في شمال غرب سوريا بصدِّ عشرات الهجمات بالطائرات المُسيَّرة المسلّحة، وأظهرت القوَّات المسلَّحة السورية، ذات الموارد المحدودة للغاية، والمُجهَّزة بالدفاعات الجوية السوفييتية القديمة غالبا، فعالية مدهشة خلال حرب واستنزاف صعب دخل في سنته التاسعة.
من هنا، يُفهَم السعي المتزايد لعدد من الدول للحصول على أنظمة غير أمريكية، مثل S-300 وS-400 والأنظمة الأقصر مدى، بالرغم من معارضة أمريكا الدبلوماسية لمثل هذه التحرُّكات والعقوبات التي تفرضها على القائمين بها. وذلك إما لاستعمالها منفردة، أو لتشبيكها مع أنظمة أخرى، وخصوصاً أنظمة EW، مما يتيح صد الهجمات المختلطة، الأمر الذي تفتقر إليه الدفاعات السعودية.
وإن محدودية قدرة الباتريوت لا تقتصر على قُصر مدى راداره، واعتماد صاروخه على الاصطدام المباشر بالهدف لتدميره، بل في عدم قدرته على تدمير الأهداف التي يقلُّ علوُّها عن 50 متراً. وإن منظومة THAAD، التي اشترتها السعودية ولم تسلتمها بعد، مصمّمة لتدمير الأهداف الباليستية على علوّ لا يقلُّ عن 40/ 50 كلم. بينما تستطيع منظومة S-400 تدمير الأهداف على علوِّ 10 أمتار! الأمر الذي يفسّر إفلات الطائرات المسيّرة وصورايخَ كروز، القادرة على التحليق على علوّ منخفض، من الدفاع الجوِّي السعودي.

كيف تفشل بعض «الدول»؟
خلصت أمريكا بعد الضربة إلى عزمها على نشر بطَّارية باتريوت و200 جنديّ لها في السعودية، أي ما مقداره ربع إلى سدس كتيبة، من الـ6 الموجودة في السعودية. يتساءل المرء هنا عن القيمة المضافة التي سيُحضِرونها معهم إلى الخليج؛ إذ إن الجيش الأمريكي موجود في الخليج بعشرات الألوف، وإن الباتريوت مكدَّس ومنصوب بلا جدوى!
وبالرغم من كلِّ ما سبق، سمعنا بعد الضربة الأخيرة التي أودت بنصف إنتاج السعودية النفطي، أن البحرين التي تمتلك أحدث نسخة من الباتريوت، في طور شراء المزيد منها، علما أنها لو لم تكنْ تملكها أصلا، لكانت عوامل قربها، وضآلة مساحتها، ومحاذاة مواقع انتشار منظومات الباتريوت السعودية والإماراتية والقطرية والأمريكية منها، قد غطَّتها بمظلّة الباتريوت! الأمر الذي يدلُّ على أن كلَّ صفقاتِ التسليح هذه لا تهدف في جوهرها إلى تعزيز الدفاع الجوِّي، بل إلى استمهال الحماية الأمريكية!

(*) كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات