الحادثة وترامب وتياره ومفارقتان
 

علي كوثراني

علي كوثراني / لا ميديا -
بصرف النظر عن رأيي ورأيك في محاولة اغتيال ترامب، تأتي هذه الحادثة بعد صراعٍ ضارٍ ممتدٍّ بين التيار الإمبراطوري والتيار الانعزالي في أمريكا تخلله استقطاب حادٌّ وشيطنةٌ واتهاماتٌ بالخيانة العظمى وادِّعاءٌ بتزوير الانتخابات واقتحامٌ للكابيتول وملاحقاتٌ قضائيَّةٌ انتقاميَّةٌ و... إلخ.
أنصار التيَّار الإمبراطوريِّ وبايدن سيسخِّفون الأمر ويشكِّكون بصحَّته طبعاً، وأنصار التيَّار الانعزاليِّ وترامب سيرونها حقيقةً مطلقةً غير قابلةٍ للنقاش. ولكنَّ الأهمَّ هم الرماديُّون والهائمون بين التيَّارين، الذين لن تبدو الحادثة بالنسبة لهم غريبةً في ظلِّ الصراع القائم وسياقه، بل ستكون بمثابة ناقوس خطرٍ يدقُّ للتنبيه من خطورة التيَّار الأوَّل.
بعد هذا، في رأيي، لن يحول بين ترامب والرئاسة سوى محاولةٍ أخرى تكون ناجحةً، أو تزويرٍ آخرٍ، وفي الحالتين لن تمرَّ الأمور بسلامٍ في أمريكا. وإلى مَن يظنُّ أنَّ في هاتين الحالتين خلاصنا، أحبُّ أن أقول إنَّهما الأخطر على العالم أجمع، لأنَّ التيَّار الإمبراطوريَّ هو غير العقلانيِّ، على عكس ما يشاع من لصق الصفة بترامب وتيَّاره.
نعم، تيَّار الإمبراطوريَّة هو غير العقلانيِّ، وجنونه نابعٌ من كونه يطمح لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومعها باقي العالم، وتحنيطه في حقبةٍ كان الحكم المطلق والنهب غير المحدود فيها للإمبراطوريَّة. وأنا هنا لا أقول إنَّ تيَّار الانعزال الأمريكيِّ وترامب هم حلفاؤنا، ولكنِّي فقط أشير إلى أنَّهم الأقلُّ خطورة.
بالطبع لن يناسب كلامي فُجَّار بلادنا الذين يظنُّون أنَّ ترامب، الخشن في الظاهر، هو الذي سيخلّصهم من المقاومة وحركات التحرُّر في منطقتنا. ولن يناسب كلامي منافقي بلادنا أيضاً الذين يريدون إقناعنا بأنَّ بايدن، الناعم في الظاهر، هو شريكنا في أيِّ تسويةٍ محتملة. وهنا المفارقة الأولى؛ إذ إنَّ الإعلام المعادي كله من فئة الفُجَّار، والإعلام الموالي للمقاومة أغلبيَّته الساحقة تابعةٌ للمنافقين، فمِن أين للناس أن تسمع غير هذين الرأيين، وهما في حقيقتهما وجهان لعملةٍ واحدة؟!
أمَّا المفارقة الثانية والأهمُّ فهي أنَّه بعد أن أتمَّ بايدن وتيَّاره الاغتيال والانقلاب الناعمين في إيران لإعادة عقارب الساعة وإيران إلى الوراء، جاءت هذه الحادثة لتعزَّز فرص وصول ترامب وتيَّاره إلى رأس السلطة، واللذين إن وصلا -وأرجو أن يصلا- سيفضحان الانبطاحيِّين المنافقين ويهمِّشانهم كما فعلا بهم عام 2016 يوم ألغيا الاتِّفاق وجدَّدا العقوبات، ومردُّ ذلك ليس لعداوةٍ بين ترامب وتيَّاره من جهةٍ والانبطاحيِّين المنافقين من جهةٍ أخرى، بل لأنَّ المذكورين أخيراً هم أدوات عمل التيَّار الإمبراطوريِّ المنافس لهما في أمريكا وغير قابلين للصرف في مشروع ترامب وتيَّاره.

أترك تعليقاً

التعليقات